للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي كانت الفريضةُ فيه تصلَّى مرتين، أي فيكونُ منسوخًا. قال ابن دقيق العيد: هذا يتضمن إثباتَ النسخ بالاحتمال، وهو لا يسوغ، ويلزمُه إقامةُ الدليل على ما ادَّعاه من إعادة الفريضة. انتهى. قال شيخنا: وكأنَّ ابن دقيق العيد لم يقف على كتاب الطحاوي، فإنه ساق فيه دليلَ ذلك وهو حديثُ ابن عمر رَفَعَهُ: ((لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين)). ومن وجهٍ آخرَ مرسل: إن أهل العالية كانوا يُصلُّون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَه ذلك فنهاهم. وفي الاستدلال بذلك على تقديرِ صحته نظرٌ لاحتمال أن يكون النهيُ عن أن يُصلُّوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البيهقيُّ جمعاً بين الحديثين.

قال العيني: إن كان الردُّ بالاحتمال: ونحن أيضا نقول: يُحتمل أن يكون النهي في ذلك لأجل أن أحدًا يقتدي به في واحدةٍ من الصلاتين اللتين صلاهُما على أنهما فرض، وفي نفس الأمر فرضُه إحداهما من غير تعيين، فيكون الاقتداءُ به في صلاةٍ مجهولةٍ فلا يصح. انتهى.

قال شيخنا: بل لو قال قائل: هذا النهي منسوخٌ بحديث معاذ لم يكن بعيدًا، ولا يقال: القصة قديمة، لأن صاحبها استُشهد بأُحُد، لأنَّا نقول: كانت أُحُد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهيُ في الأولى والإذنُ في الثالثة، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذَيْن لم يصليا معه: ((إذا صليتُما في رِحالكما ثم أتيتُما لمسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكُمَا نافلة)). أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري، وصححه ابن خزيمة وغيرُه، وكان ذلك في حِجَّة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الجواز أيضًا: أمرُه لمن أدركهُ الأئمةُ الذين يأتون بعدَه ويؤخرون الصلاةَ عن ميقاتها أنْ: ((صلوها في بيوتكم ثم افعلوها معهم نافلةً)).

وأما استدلال الطحاوي على أنه - عليه السلام - نهى معاذًا عن ذلك بقوله في حديث سُليم بن الحارث: ((إما أن تصليَ معي، وإما أن تخفف عن قومك) ودعواهُ أنَّ معناه: إما أن تصلي معي ولا تصلي بقومك، وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي. قال شيخنا: ففيه نظرٌ، لأن لِمُخالفِه أن يقول: بل التقدير: إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفِّفْ، وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي. وهو أَوْلَى من تقديره، لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف، لأنه هو المسئول عنه المتنازَع فيه. انتهى. قال العيني: الذي قدَّره المخالفُ باطل، لأن لفظ الحديث: ((لا تكن فتانًا، إما أن تصليَ معي وإما أن تخفف عن قومك)). فهذا يدل على أنه يفعلُ أحدَ الأمرين: إما الصلاةُ معه أو بقومه ولا يجمعُهما، فدل على أن المراد عدمُ الجمع ومنعُه، وكلُّ أمرين بينهما مَنْع الجمع كان نقيضُهما منعُ (١) الخلو، كما قد بُيِّنَ هكذا في موضعه. انتهى. قلتُ: هذا إذا سُلِّم أن المراد منعُ الجمع، لكنَّ التقديرَ الذي قدره المخالفُ يدلُّ على الإذن في الجمع بشرط التخفيف ويؤيدُه ما تقدم من الحديث. انتهى.

وفي حديث الباب من الفوائد أيضاً: استحباب تخفيفِ الصلاة مراعاةً لحال المأمومين، وقد قال - عليه السلام - كما رواه البخاري: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ). فهذا يدل على أن الإمامَ ينبغي له أن يراعيَ حال قومه. قال العيني: وهذا لا خلافَ فيه لأحد، انتهى.


(١) في (الأصل) : ((مع)) والصواب ((منع)).

<<  <   >  >>