وفي رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلي ابن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه.
قوله:(قالَ: صَلَّيتُ أَنا وَيَتيمٌ في بَيتِنا خَلفَ النَّبي صلى الله عليه وسلم وَأُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ خَلفَنَا) مطابقته للترجمة في قوله: (وأُمّي أمُّ سُليم خلفَنا) لأنها وقفت خلفهم وحدها، فصارت في حكم الصف.
هذا الحديث أخرجه النسائي أيضاً عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري، وأخرج البخاري هذا الحديث معلولاً في باب الصلاة على الحصير عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن إسحاق بن عبد الله، وقد ذكرنا مباحثه هناك.
قوله:(صَلَّيتُ أَنا) ذكر لفظة (أنا) ليصح العطف على الضمير المرفوع، وهو مذهب البصريين، والكوفيون لم يشترطوا ذلك.
قوله:(وَيَتيمٌ) كذا للجميع، وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة، ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن ابن السكن بسنده في الخبر المذكور:((صليتُ أنا وسُليم)) بسين مهملة ولام مصغَّر، فتصحف على الراوي من لفظ (يتيم) ومشى على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على «الإستيعاب» : سُليم غير منسوب، وساق الحديث، قال شيخنا: قال العيني: واليتيم هو ضُميرة بن أبي ضُميرة بضم الضاد المعجمة، له ولأبيه صحبة.
قوله:(وَأُمّي أُمُّ سُلَيم) وأُمّي عطف على يتيم، وأم سُليم عطف بيان، وكانت مشهورة بهذه الكنية، واسمها سهلة، وقيل: رُميلة أو رميثة أو الرميصاء أو الغميصاء، زوجة أبي طلحة، وكانت فاضلة دَيّنة.
فيه: أن المرأة لا تصف مع الرجال خشية الافتتان بها، فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، قال شيخنا: وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيبٌ! وفي توجيهه تعسُّف حيث قال قائلهم: دليله قول ابن مسعود: ((أخِّروهن من حيث أخَّرهن الله)) والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخيرهُنَّ فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل؛ لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تكفي عن تكلُّف جوابه، والله المستعان. انتهى
قال العيني: أثر ابن مسعود أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا القائل لو أدرك دقة ما قاله الحنفية ههنا لما قال: وهو عجيب وفي توجيهه تعسف، والتعسف على الذي لا يفهم كلام القوم. انتهى، قلت: هذا ردٌّ بالصدر ودقة النظر مع شيخنا؛ فإنه قال: قد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف يصلي فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك؟! وأوضح منه لو كان بباب المسجد صُفّة مملوكة، فصلى فيها شخص بغير إذن مالكها مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة، صحّت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته، ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه. انتهى، وقال ابن رشيد: الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) يعني أنه مختص بالرجال.
والحديث المذكور أخرجه بن حبان من حديث علي بن سنان، قال شيخنا وفي صحته نظر كما سنذكره في باب إذا ركع دون الصف.