مثل ثمَّ، وفيه تقديم وتأخير والتقدير: ثمَّ يذهب أحدنا، أي ممن صلَّى معه، وأما قوله: (رَجَعَ) فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانًا لقوله: (يَذْهَبُ).
قال العَيني: هذا فيه ارتكاب المحذور من وجوهٍ: الأوَّل: كون الواو بمعنى ثمَّ لم يقل به أحد، الثاني: إثبات التقديم والتأخير من غير احتياج إليه، والثالث قوله: (يَرْجِعُ) بيان لقوله: (يَذْهَبُ) فلا يصحُّ ذلك؛ لأنَّ معنى يرجع ليس فيه غموض حتَّى يبيِّنه بقوله: يذهب، ومحذور آخر وهو أنَّ المعنى يكون: وأحدنا يرجع إلى أقصى المدينة، وهو مخلٌّ بالمقصود. انتهى.
قلت: مراد شيخنا بقوله: الواو بمعنى ثمَّ أي أنَّ الواو تُفيد الترتيب مثل ثمَّ، فإن قلت: قال السِّيرافي: إنَّ النَّحويين واللُّغويين أجمعوا على أنَّ الواو لا ترد للترتيب، فنقول: قال قُطْرُب والفَرَّاء وثعلب وأبو عُمَر الزَّاهد وهشام والشافعي وغيرهم: إنَّها تفيده. انتهى.
قال العَيني: وزَعَمَ الكِرْماني أنَّ فيه وجهًا آخر، وفيه تعسُّف جدًّا، وهو أن رجع بمعنى يرجع عطف على يذهب، والواو مقدَّرة، وفيه محذور آخر أقوى من الأوَّل، وهو أنَّ المراد بالرجوع هو الرجوع إلى أقصى المدينة لا الرجوع إلى المسجد، فعلى هذا التقدير يكون الرجوع إلى المسجد، والدليل على أنَّ المراد هو الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع إليها رواية عَوْف الأعرابي عن سَيَّار بن سلامة الآتية عن قريب: (ثَمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى المَدَيْنَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ)، واقتصر ههنا على ذكر الرجوع لحصول الاكتفاء به؛ لأنَّ المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل، وإنما سُمِّي رجوعًا؛ لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا.
قوله: (وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) وحياة الشَّمس عبارة عن بقاء حرِّها لم يفتر وبقاء لونها لم يتغيَّر، وإنما يدخلها التغيُّر بدنو المغيب، كأنَّه جعل مغيبها لها موتًا.
قوله: (وَنَسِيْتُ) أي قال أبو المِنْهال: نسيت ما قال أبو بَرزَة في المغرب.
قوله: (وَلَا يُبَالِي) عطف على قوله: (يُصَلِّي) أي ولا يبالي النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، وهو من المبالاة وهو الاكتراثُ بالشيء.
قوله: (إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أي نصفه، ولا يقال: إنَّ الذي يفهم منه أنَّ وقت العشاء لا يتجاوز النِّصف؛ لأنَّ الأحاديث الأخر تدلُّ على بقاء وقتها إلى الصُّبح، وإنما المراد بالنِّصف ههنا هو الوقت المختار، وقد اختلف فيه، والأصحُّ الثلث.
قوله: (قَبْلَهَا) أي قبل العشاء.
قوله: (قَالَ مُعَاذٌ) هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسَّان العَنْبَري التَّميمي قاضي البصرة، سمع شُعْبَة وغيره، مات سنة ست وتسعين ومائة.
قال الكِرْماني: هذا تعليق قطعًا؛ لأنَّ البخاري لم يدركه، قال العَيني: هو مسند في «صحيح مسلم» قال: حدَّثنا عُبَيْد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة، فذكره.
قوله: (ثُمَّ لَقِيْتُهُ) أي أبا المِنْهال مرَّةً أخرى بعد ذلك.
قوله: (فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) ردَّد بين الشَّطر والثلث، قال شيخنا: وجزم حمَّاد بن سلمة عن أبي المِنْهال عند مسلم بقوله: (إلى ثُلُثِ اللَّيلِ) وكذا لأحمد عن حمَّاد عن شعبة.
قال العَيني: فيه الحجَّة للحنفيَّة؛ لأنَّ قوله: (وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلَيْسَهُ) يدلُّ على الإسفار، ولفظ النَّسائي والطَّحاوي فيه: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم