للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى الرجل نصبها، ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما، وقيل: معناه: وتر في أهله، فلمَّا حذف الخافض انتصب، وقيل: إنَّه بدل اشتمال أو بدل بعض، ومعناه: انتزع منه أهله وماله. وقال الجوهري: الموتَر: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتَره يتِره وَترًا ووِترًا وتِرَةً.

قال العَيني: أصل تِرة وِترة، فحذفت منها الواو تبعًا لفعله المضارع وهو يَتِر؛ لأنَّ أصله يوتر، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، فلما حذفت الواو في المصدر عوض عنها التَّاء كما في عدة.

وتكلَّموا في معنى هذا الحديث، فقال الخطَّابيُّ: نقص هو وأهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال، فالتحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله. وقال أبو عُمَر: معناه: كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترًا، وهي الجناية الَّتي تطلب ثأرها، فيجتمع عليه غمّان: غمُّ المصيبة ومقاساة طلب النَّار. وقال الداودي: يتوجَّه عليه من الاسترجاع ما يتوجَّه على من فقد أهله وماله، فيتوجَّه عليه النَّدم والأسف لتفويته الصَّلاة. وقيل: معناه: فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله.

ثم اختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث، فقال ابن وَهْب وغيره: هو فيمن لم يصلِّها في وقتها، وقال الأَصِيلي وسَحْنون: هو أن تفوته بغروب الشَّمس، وقيل: أن يفوتها إلى أن تصفرَّ الشَّمس، قال العَيني: وقد ورد مفسَّرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث، قال: وفواتها أن تدخل الشَّمس صفرةٌ.

قال شيخنا: ومما يدلُّ على أنَّ المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وَقَعَ في رواية عبد الرزاَّق، فإنَّه أخرج هذا الحديث عن ابن جُرَيج عن نافع فذكر نحوه وزاد: قلت لنافع: حتَّى تغيب الشَّمس؟ قال: نعم. وتفسير الرَّاوي إذا كان فقيهًا أولى من غيره. انتهى.

وروى سالم عن أبيه إنَّه قال: هذا فيمن فاتته ناسيًا. وقال الدَّاوُدي: هو في العامد، وكأنَّه أظهرُ؛ لما في البخاري: ((مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ))، وهذا ظاهر في العمد.

قلت: تعليل العَيني بهذا الحديث فيه نظر؛ لأنَّ معناه غير معنى حديث الباب، فلا شكَّ أنَّ فقد الأهل والمال أهون من أن يحبط العمل، والله أعلم. انتهى.

وقال المُهَلَّب: هو فواتها في الجماعة؛ لما يفوته من شهود الملائكة اللَّيلية والنَّهاريَّة، ولو كان فواتها بغيبوبة أو اصفرار لبطل الاختصاص؛ لأنَّ ذهاب الوقت كلِّه موجود في كلِّ صلاة. وقال أبو عُمَر: يحتمل أن يكون تخصيص العصر لكونه جوابًا لسائل سأل عن صلاة العصر، وعلى هذا يكون حكم من فاته الصُّبح بطلوع الشَّمس والعشاء بطلوع الفجر كذلك.

وخصَّت العصرُ لفضلها ولكونها مشهودة، وقيل: خُصَّتْ بذلك تأكيدًا وحضًّا على المثابرة عليها؛ لأنَّها تأتي في وقت اشتغال الناس، وقيل: يحتمل إنَّها خُصَّتْ بذلك لأنَّها على الصحيح إنَّها الصَّلاة الوسطى وبها تختم الصلوات، واعترض النَّوَوي لابن عبد البرِّ في قوله: فعلى هذا يكون حكم من فاته الصُّبح إلى آخره؛ أنَّ غير المنصوص إنَّما يلحق بالمنصوص إذا عرفت العلَّة واشتركا فيها، قال: والعلَّة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلحق غير العصر بها. انتهى.

قال العَيني: لقائل أن يحتجَّ لابن

<<  <   >  >>