((ولو يعلمون ما في العتمةِ والصُّبحِ)) وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عبَّاس رضي الله عنهم فيما ذكره ابن أبي شَيْبَة.
وقال الطِّيبي: يقال غَلَبه على كذا غَصَبه منه أو أخذه منه قهرًا، والمعنى: لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة، فيغصب منكم الأعراب اسم العشاء الَّتي سمَّاها الله تعالى بها، قال: فالنَّهي على الظَّاهر للأعراب وعلى الحقيقة لهم، وقال غيره: معنى الغلبة أنَّكم تسمُّونها اسمًا وهم يسمُّونها اسمًا، فإن سمِّيتموها بالاسم الذي يسمُّونها به وافقتموهم، وإذا وافق الخصم خصَمه صار كأنَّه انقطع له حتَّى غلبه، ولا يحتاج إلى تقدير غَصَب ولا أَخَذ.
قال العَيني: لما فسَّر الطِّيبي الغلبة بالغصب يحتاج إلى هذا التقدير ليتَّضح المعنى.
قلت: مراده إنَّه لا يفسِّر الغلبة بالغصب فلا يحتاج إلى هذا التقدير، ولكن يفسِّر الغلبة بما فسَّر به. انتهى. وقال التَّوْرِبِشْتي شارح «المصابيح» : المعنى: لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم، فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم.
قوله:(الأَعرَابُ) قال القُرْطُبي: الأعراب مَن كان من أهل البادية وإن لم يكن عربيًا، والعربي من يُنسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية. وقال ابن الأَثِير: الأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلَّا لحاجة، والعرب اسم لهذا الجيل من النَّاس ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن، والنسبة إليهما أعرابي وعربي. انتهى.
قلت: فعلى ما قاله القُرْطُبي تسمَّى الأعجام المقيمون بالبادية أعرابًا لا على ما قاله ابن الأثير. انتهى.
قوله:(عَلى اسْمِ صَلَاتِكُمُ المَغْرِبِ) كلمة (عَلَى) تتعلَّق بقوله: (لَا يَغْلِبَنَّكُمْ)، و (المَغْرِبِ) بالجرِّ صفة الصلاة، وهذه اللفظة تردُّ تفسيرَ الأزهري: لا يغلبنَّكم الأعراب، وهو الذي ذكرناه عن قريب، قال شيخنا: وكذا قول ابن المنيِّر: السر في النَّهي سدُّ الذريعة لئلَّا تسمَّى عشاءًا، فيظن امتداد وقتها عن غروب الشَّمس أخذًا من لفظه، وكأنَّه أراد تقوية مذهبه في أنَّ وقت المغرب مضيق، وفيه نظر؛ إذ لا يلزم من تسمِّيتها المغرب أن يكون وقتها مضيقًا، فإن الظهر سمِّيت بذلك لأنَّ ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقًا بلا خلاف.
قوله:(قَالَ: وَتَقُوْلُ الأَعْرابُ: هِيَ العِشاءُ) قال الكِرْماني: أي قال عبد الله المزني: وكان الأعراب يقولون ويريدون به المغرب، فكان يشتبه ذلك على المسلمين بالعشاء الآخرة، فنهى عن إطلاق العشاء على المغرب دفعًا للالتباس، قال شيخنا: وقد جزم الكِرْماني بأن فاعل (قَالَ) هو عبد الله المزني راوي الحديث، ويحتاج إلى نقل خاص لذلك، وإلا فظاهر إيراد الإسماعيلي إنَّه من تتمة الحديث، فإنه أورد بلفظ:((فَإِنَّ الأَعْرَابَ تُسَمِّيْهَا)) والأصل في مثل هذا أن يكون كلامًا واحدًا حتَّى يقوم دليل على إدراجه.
قال العَيني: لم يجزم الكِرْماني بذلك، وإنما قال: قال عبد الله، بناءً على ظاهر الكلام، فإنه فصل بين الكلامين بلفظة:(قال) والظاهر أنَّه الراوي، على أنَّه يحتمل أن تكون هذه اللفظة مطوية في رواية الإسماعيلي.