للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أبي عُبيد: المراد الصُّبح والعصر والمغرب، وفيه نظر لأنَّ المذكور تثنية، ومع هذا لم يتابعه على هذا أحد، وقال البزَّار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنَّة دون غيرهما من الصَّلوات ما محصَّله: إنَّ لفظة (مَنْ) في الحديث موصولة لا شرطيَّة، والمراد الذين صلُّوهما أوَّل ما فرضت الصَّلاة ثمَّ ماتوا قبل فرض الصَّلوات الخمس، لأنَّها فرضت أوَّلًا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثمَّ فرضت الصَّلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه، قال شيخنا: ولا يخفى ما فيه من النظر، والأوجه أنَّ (مَنْ) في الحديث شرطيَّة، وقوله: (دَخَلَ) جواب الشرط، وعُدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن تقول: يدخل الجنَّة إرادة للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع، قال العَيني: كلامه يؤدِّي إلى أنَّ هذا مخصوص لأناس معينين ولا عموم فيه وإنَّه منسوخ، وليس كذلك من وجوه: الأوَّل: أنَّ راويه أبا موسى سمعه في أواخر الإسلام، وإنَّه فهم العموم وكذا غيره فهم ذلك، لأنَّه خير فضل لمحمَّد عليه السَّلام ولأمَّته، والثاني: أنَّ الفضائل لا تنسخ، والثالث: أنَّ كلمة (مَنْ) شرطيَّة، وقوله: (دَخَلَ الجَنَّةَ) جواب الشرط، فكلُّ من أتى بالشرط فقد استحقَّ المشروط لعموم كلمة الشرط، ولا يقال إنَّ مفهومه يقتضي أنَّ من [لم] (١) يصلِّيهما لم يدخل الجنَّة، لأنا نقول المفهوم ليس بحجَّة، وأيضًا إنَّ قوله: (دَخَلَ الجَنَّةَ) خرج مخرج الغالب، لأن الغالب من صلَّاهما وراعاهما. انتهى. عمَّا ينافيهما من فحشاء ومنكر، لأنَّ الصَّلاة تنهى عنهما، أو يكون آخر أمره دخول الجنَّة، وأمَّا وجه التخصيص بهما فهو لزيادة شرفهما وترغيبًا في حفظهما لشهود الملائكة فيهما كما تقدَّم، وقد مضى ما رواه الطَّبَرَاني فيه، وروى أبو القاسم الجَوْزي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: ((يُنَادِي مُنَادِي عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، يا بَنِي آدَم قُومُوا فَأَطْفِئوا مَا أَوْقَدْتُّم عَلَى أَنْفُسِكُم، ويُنَادَى عِنْدَ العَصْرِ كَذَلِكَ، فَيَتَطَهَّرونَ وَيَنامُونَ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ)) ثمَّ ذكر العَيني ما ذكره شيخنا في توجيه العدول عن الأصل، وقال: كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الجَنَّةِ} [الأعراف: ٤٤]

قوله: (وَقَالَ ابنُ رَجَاءٍ) أي -بفتح الرَّاء والجيم والمد- عبد الله البصري الغُداني، وهو أحد شيوخه.

قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا) تقدَّم الكلام على هؤلاء الثلاثة في السند السابق، وأفاد البخاري بإيراد هذا التعليق أنَّ نسبة أبي بكر إلى أبيه أبي موسى الأشعري، لأنَّ النَّاس اختلفوا فيه، كما ذكرناه عن قريب، قال شيخنا: وقد وصله محمَّد بن يحيى الذُّهْلي: حدَّثنا عبد الله بن رجاء، ورُوِّيناه عاليًا من طريقه في الجزء المشهور المروي عنه من طريق السلفي ولفظ المتن واحد، وقال العَيني: وقد وصله الطَّبَرَاني في معجمه، فقال: حدَّثنا عُثْمان بن عُمَر الضَّبِّي، قال: حدَّثنا عبد الله بن رجاء، فذكره.

قوله: (أَخْبَرَهُ بِهَذَا) أي بهذا الحديث، وهو مرسل لأنَّه لم يقل عن أبيه، إلَّا أن يقال: المراد بالمشار إليه الحديث وبقيَّة الإسناد كلاهما.

قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) هو ابن منصور، وقال أبو علي الغسَّاني في «كفاية التقييد» : لعلَّه إِسْحاق بن مَنْصور الكوسج، وقال


(١) لم: ليس في الأصل، وإنما أضيفت ليستقيم المعنى من عمدة القاري.

<<  <   >  >>