الرحمن بن هُرْمُز، ترجمته في باب حبِّ الرسول من الإيمان.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الأفراد في موضع، والعنعنة في ستَّة مواضع منها خمسة المراد بها التَّحديث في قوله:(يُحَدِّثُوْنَهُ)، والضمير فيه يرجع إلى زيد بن أسلم، ورجاله كلُّهم مدنيون.
قوله:(مِنَ الصُّبْحِ) أي من وقت الصُّبح؛ أو من نفس صلاة الصُّبح.
قوله:(رَكْعَةً) أي قدر ركعة، والإدراك الوصول إلى الشيء، قاله العَينيُّ، وقد ذكرنا المراد من الإدراك في باب من أدرك ركعة من العصر، واستوفينا الكلام فيه هناك.
قال شيخنا: قوله: (فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ) ظاهره إنَّه يكتفي بذلك، وليس ذلك مرادًا بالإجماع؛ فقيل يُحمل على أنَّه أدرك الوقت فإذا صلَّى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور وقد صرَّح بذلك في رواية الدَّراوَرْدي عن زيد بن أسلم أخرجه البَيْهَقي من وجهين، ولفظه (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبح قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَرَكْعَةً بَعدَ مَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)، وأصرح منه رواية أبي غسَّان محمَّد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء وهو ابن يسار عن أبي هريرة بلفظ:((مَنْ صلَّى رَكْعَةً مِنَ العَصرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، ثمَّ صلَّى مَا بَقِيَ بَعدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَمْ تَفُتُهُ العَصْرُ))، وقال مثل ذلك في الصبح، وقد تقدَّمت رواية المُصَنِّف في باب من أدرك من العصر ركعة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها (فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ)، وللنَّسائي من وجه آخر:((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاة فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاة إلَّا إنَّه يَقْضِي مَا فَاتَهُ))، وللبَيْهَقي من وجه آخر:((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبح قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى))، ويُؤخذ من هذا الردُّ على الطَّحاوي، حيث خصَّ الإدراك باحتلام الصبي، وطهر الحائض، وإسلام الكافر ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أنَّ من أدرك من الصُّبح ركعة تفسد صلاته، لا يكملها إلَّا في وقت الكراهة، وهو مبني على أنَّ الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة؛ قال التِّرْمِذي: وبهذا يقول الشَّافعي وأحمد وإِسْحاق، وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه الشَّمس وهو في صلاة الصُّبح بطلت صلاته، واحتجَّ كذلك بالأحاديث الواردة في النَّهي عن الصَّلاة عند طلوع الشمس، وادَّعى بعضهم أن أحاديث النَّهي ناسخة بهذا الحديث، وهو دعوى تحتاج إلى دليل فإنَّه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النَّهي على ما لا سبب له من النَّوافل، ولا شكَّ أنَّ التخصيص أولى من ادِّعاء النسخ، ومفهوم الحديث أنَّ من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار، كمن أفاق من إغماء، أو طهرت من حيض وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت، وكذا مدرك الجمعة، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام، ويقرأ القرآن، ويركع ويرفع، ويسجد سجدتين، بشروط كلِّ ذلك، قال الرَّافِعي: المعتبر فيها أخفُّ ما يقدر عليه أحد، ونقل بعضهم الاتِّفاق على أنَّه لا يجوز لمن ليس له عذرٌ تأخير الصَّلاة حتَّى لا يبقى منها إلَّا هذا القدر؛