وفيه التَّحديث بِصِيغَة الجمع في موضِعين، وفيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد، وفيه الإِخبار بصيغة الإفراد في موضعين، وفيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وفيه رواية الابن عن الأب.
هذا الحديث أخرجه البُخَارِيُّ أيضًا فِي صفة إِبْلِيس عن محمَّد بن عَبدة.
وأخرجه مسلم فِي الصَّلاة مُقَطَّعًا عَن أبي بكر بن أبي شَيْبَة عن وَكِيع وعن محمَّد بن عبد الله بن نُمَير عن أَبِيه وَمحمَّد بن بشر، وأخرجه النَّسائي فيه أيضًا مُقَطَّعًا أيضًا عن عَمْرو بن عليّ عن يحيى.
قوله:(لَا تَحَرَّوا) أَصله: لَا تتحرَّوا، بالتاءين، فحُذفت إِحْدَاهمَا والمعنى لا تقصدوا؛ قَالَ الجَوْهَرِي: فلَان يتحَرَّى الأَمر، أي يتوخَّاه ويقصده، وتحرَّى فلَان بِالمَكَانِ أي مكث، قَالَ التَّيْمِيّ: قَالَ قوم: أَرَادَ بِهِ: لَا تقصدوا وَلَا تبتدروا بهَا ذَلِك الوَقْت. وَأما من انتبه من نَومه وذكر مَا نَسيَه فَلَيْسَ بقاصد إِلَيْهَا وَلَا مُتَحَرًّ، وَإِنَّمَا المتحرِّي القاصد إِلَيْهَا، وَقيل: إِنَّ قومًا كَانُوا يتحرَّون طُلُوع الشَّمس وغروبها فيسجدون لَهَا عبَادَة من دون الله تَعَالى، فَنهى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنهُ كَرَاهَة أَن يتشبَّهوا بهم.
قال العَيني: قوله: (لَا تحرَّوا) نهي مُسْتَقل فِي كَرَاهَة الصَّلاة فِي الوَقْتَيْنِ المَذْكُورين، سَوَاء قصد لَهَا أم لم يقْصد، وَمِنْهُم من جعل هَذَا تَفْسِيرًا للْحَدِيث السَّابق ومبيِّنًا للمراد بِهِ، فَقَالَ: لَا تكره الصَّلاة بعد الصُّبح وَلَا بعد العَصْر، إلَّا لمن قصد بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمس وغروبها، وَإِلَيْهِ ذهب الظَّاهِرِيَّة، وَمَال إِلَيْهِ ابن المُنْذر وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق طَاوُس عَن عَائِشَة قَالَت:((وَهِمَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنهُ، إنَّما نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنْ يتحَرَّى طُلُوعَ الشَّمس وغروبِها))؛ ومنهم من قوَّى ذَلِك بِحَدِيث:((منْ أدْركَ رَكْعَةً منَ الصُّبح قبلَ أَنْ تطلعَ الشَّمس فليضفْ إِلَيْهَا أُخْرَى))، فَأمر بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، فدلَّ على أَنَّ الكَرَاهَة مُخْتَصَّةٌ بِمن قصد الصَّلاة فِي ذَلِك الوَقْت لَا بِمن وَقَعَ لَهُ اتِّفَاقًا.
وَقال البَيْهَقي: إنَّما قَالَت ذَلِك عَائِشَة لأنَّها رَأَتِ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصَلِّي بعد العَصْر، فحملت نَهْيَه على من قصد ذلك لَا على الإِطْلَاق؛ وأجِيب عن هذا: بأن صلاته عليه السَّلام تلك كانت قضاء كما ذكرنَا، وقيل: كانت خُصُوصِيَّة لَهُ، وأما النَّهي مُطلقًا فقد ثَبت بأحادِيث كَثِيرَة عن جماعة من الصَّحَابَة رضي الله عنهم، فلا اختصاص له بالوهم، والله أعلم.
٥٨٣ - قوله:(قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابنُ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا طَلَعَ حاجِبُ الشَّمس فأخِّرُوا الصَّلاة حتَّى تَرْتَفِعَ وَإذَا غابَ حَاجِبُ الشَّمس فأخِّرُوا الصَّلاة حتَّى تَغِيْبَ)، أي قال عُرْوَة: وحدَّثني ابن عمر، فإن قلت: قال عُرْوَة في الحديث السابق: أخبرني ابن عُمَر، وفي هذا قال: حدَّثني، قال العَيني: رعاية للفرق الَّذِي بَينهمَا عنده، ولا فرق بين: حدَّثنا وأخْبرنَا عِنْد الأَكْثَرين، وجعل الخَطِيب: سمعت أرفعهما، وابن الصَّلاح دونهَا. انتهى.
وقال شيخنا: هذا حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنَّه وَقَعَ له الحديثان معًا من رواية عليّ بن مُسْهِر وعِيسَى بن يُونُس وَمحمَّد بن بشر ووكيع وَمَالك بن سعيد ومحاضر