للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

باعتبار المهادنة.

قوله: (فَفَرَّقَنَا) الفاء فيه فاء الفصيحة، أي فجاؤوا إلى المدينة ففرَّقنا من التفريق، أي جعل كلَّ رجل مع اثني عشر فرقة، وفي مسلم: فعرَّفنا -بالعين والرَّاء المشدَّدة- أي جعلنا عرفاء نقباء على قومهم، وقال الكِرْماني: وفي بعض الرواية فقَرّينا من القِرى بمعنى الضيافة.

قوله: (اثْنَا عَشَرَ) وفي البخاري ومعظم نسخ مسلم: اثني عشر، وكلاهما صحيح، الأوَّل على لغة من جعل المثنَّى بالألف في الأحوال الثلاثة، وقال السَّفَاقِسي: لعلَّ ضبطه ففُرِّقنا بضمِّ الفاء الثانية وبرفع اثنا عشر على أنَّه مبتدأ، وخبره مع كلِّ رجل منهم أناس.

قوله: (واللهُ أَعْلَمُ) جملة معترضة، أي أناس الله أعلم عددهم.

قوله: (كَمْ مَعَ كلِّ رَجَلٍ) مميز كم محذوف، أي كم رجل مع كلِّ رجل.

قوله: (أَوْ كَمَا قَالَ) شكٌّ من أبي عثمان، وفاعل قال عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما.

فيه أنَّ للسلطان إذا رأى مسغبة أن يفرِّقهم على السعة بقدر ما [لا] (١) يجحف بهم، قال التَّيْمي: وقال كثير من العلماء: إنَّ في المال حقوقًا سوى الزكاة، وإنَّما جعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الاثنين واحدًا، وعلى الأربعة واحدًا، وعلى الخمسة واحدًا، ولم يجعل على الأربعة والخمسة بإزاء ما يجب للاثنين مع الثالث، لأن صاحب العيال أولى أن يرفق به، والحاصل فيه أنَّ تشريك الزائد على الأربعة لا يضر بالباقين، وكانت المواساة إذ ذاك واجبة لشدَّة الحال، وزاد عليه السَّلام واحدًا واحدًا رفقًا بصاحب العيال، وضيق معيشة الواحد، والاثنين أرفق بهم من ضيق معيشة الجماعات.

وفيه فضيلة الإيثار والمواساة، وأنَّه عند كثرة الأضياف يوزِّعهم الإمام على أهل المحلَّة، ويعطي لكلِّ واحد منهم ما يعلم أنَّه يحتمله، ويأخذ هو ما يمكنه، ومن هذا أخذ عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه فِعْلَه في عام الرمادة، على أهل كلِّ بيت مثلهم من الفقراء، ويقول: لن يهلك امرؤٌ عن نصف قوَّته، وكانت الضرورة ذلك العام، وقد تأوَّل سُفْيان بن عُيَيْنَة في المواساة في المسغبة قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] ومعناه أنَّ المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجُّه الحاجة إليهم، ولهذا قال كثير من العلماء: في المال حقٌّ سوى الزكاة، وورد في التِّرْمِذي مرفوعًا.

وفيه بيان ما كان عليه الشَّارع من الأخذ بأفضل الأمور، والسبق إلى السخاء والجود، فإنَّ عياله عليه السَّلام كانوا قريبًا من عدد ضيفانه هذه اللَّيلة، فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر رضي الله عنه بثلث طعامه أو أكثر.

وفيه الأكل عند الرئيس وإن كان عنده ضيف، إذا كان في داره من يقوم بخدمتهم. وفيه أنَّ الولد والأهل يلزمهم من خدمة الضيف ما يلزم صاحب المنزل. وفيه أنَّ الأضياف ينبغي لهم أن يتأدَّبوا وينتظروا صاحب الدار، ولا يتهافتوا على الطعام دونه. وفيه الأكل من طعام ظهرت فيه البركة، وفيه إهداء ما يُرجى بركته لأهل الفضل، وفيه أنَّ آيات النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تظهر على يد غيره، وفيه ما كان عليه أبو بكر من الحبِّ للنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم


(١) ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.

<<  <   >  >>