يقل: مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلماتها، والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة:((أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عندنا فسمع المؤذن قال كما يقول حين يسكت)) وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. قال العيني: قوله: على شرط الشيخين، غير جيد؛ لأن في سنده من ليس عندهما ولا عند أحدهما، وهو عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان. ورواه أبو عمر بن عبد البر من حديث أبي عوانة عن أبي بشير عنه هكذا أبو الشيخ الأصبهاني.
قال شيخنا: وأما أبو الفتح اليعمري فقال: ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل. قاله النووي في «شرح المهذب» بحثاً، وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة.
وظاهر قوله:(مثل) أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضاً وحديث معاوية الآتي يدل على أنه يستثنى من ذلك حي على الصلاة وحي الفلاح، فيقول بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، لذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور، وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح، فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول: أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فلم لا يقال: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة؟ وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة. ولقائل أن يقول: يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظاً وإسراعاً إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن نفسه ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم: سمع الله لمن حمده كما سيأتي في موضعه.
وقال الطيبي: معنى الحيعلتين هَلُّم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً والفوز بالنعيم آجلاً، فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته، ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن بن جريج قال: حُدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتَهم للقراءة، فلا يقول شيئاً إلا قالوا مثله، حتى إذا قال: حي على الصلاة قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح قالوا ما شاء الله. وإلى هذا صار بعض الحنفية، وروى بن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروي عن سعيد بن جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا. ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل: لا يجيبه إلا في التشهدين