بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم مَن خوطب بذلك، قيل: ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان، لكن يَردُّ هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة.
قال العيني: احتج أصحابنا - أي الحنفية - بقوله: حكوا أن إجابة المؤذن واجبة على السامعين لدلالة الأمر على الوجوب، ألا ترى أنه يجب عليهم قطع القراءة وترك الكلام السلام ورده وكل عمل غير الإجابة؟ فهذا كله أمارة الوجوب. وقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء: الأمر في هذا الباب على الاستحباب دون الوجوب، وهو اختيار الطحاوي أيضاً. وقال النووي: تستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة.
فمن أسباب المنع: أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله أو نحوها. ومنها: أن يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة هل يكره؟ فيه قولان للشافعي، أظهرهما يكره، لكن لا تبطل صلاته، فلو قال: حي على الصلاة، والصلاة خير من النوم، بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح ونحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن، ويتابعه في الإقامة كالأذان إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم، قال سامعه: صدقت وبررت. انتهى
وقال أصحابنا: يجب على السامع أن يقول مثل ما قال المؤذن، إلا قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول مكان قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء، وكذلك إذا قال المؤذن: الصلاة خير من النوم، لا يقول السامع مثله، لكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي ألا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القرأن، ولا يسلم ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان في قراءة القرآن يقطع ويسمع الأذان ويجيب.
وفي «فوائد الرستغفني» : لو سمع وهو في المسجد يمضي في قراءته، وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن الحلواني: لو أجاب باللسان ولم يمشِ إلى المسجد لا يكون مجيباً. ولو كان في المسجد ولم يجب لا يكون آثماً، ولا تجب الإجابة على مَن لا تجب عليه الصلاة، ولا يجيب إيضاً وهو في الصلاة، وسواء كانت فرضاً أو نفلاً.
وقال عياض: اختلف أصحابنا، أي المالكية: هل يحكي المصلي لفظ المؤذن في حالة الفريضة أو النافلة أم لا يحكيه فيهما، أم يحكي في النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، انتهى.
قال العيني: ثم اختلف أصحابنا، أي الحنفية: هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ وسئل ظهير