قوله:(أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوماً) أي: ابن أبي سفيان، ترجمته في باب من يرد الله به خيراً يفقه في الدين.
هذا الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السماع، وفيه القول في القول في موضعين، وفيه أن رواته ما بين بصري وأهوازي ويماني ومدني.
قوله:(فَقالَ مِثلَهُ... إلى قوله: وأشهد أن محمداً رسول الله) مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام في قوله: (ما يقول إذا سمع المؤذن) وقد قلنا: إنه أبهم الترجمة لاحتمالها الوجهين، فحديث أبي سعيد أوضح الوجه الثاني. هذا الحديث أخرجه النسائي في «اليوم والليلة» عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير به، ولم يذكر الزيادة.
قال شيخنا: هكذا أورد المتن هنا مختصراً، وقد رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» عن هشام، ولفظه: كنا عند معاوية، فنادى المنادي بالصلاة، فقال مثل ما قال ثم قال: هكذا سمعت نبيَّكم. انتهى
قوله:(فَقالَ مِثلَهُ) أي: مثل ما يقول المؤذن، ويروى:((بمثله)) وههنا سأل الكرماني سؤالين:
الأول: أن السماع لا يقع على الذوات إلا إذا وصف بالقول ونحوه كقوله تعالى: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي}[آل عمران: ١٩٣] وأجاب بأن القول مقدَّر، أي سمع معاوية قال يوماً، ولفظ (فقال) مفسر لقال المقدرة، ومثل هذه الفاء تسمى بالفاء التفسيرية.
والثاني: كلمة إلى للغاية، وحكم ما بعدها خلاف ما قبلها، فلا يلزم أن يقول في أشهد أن محمداً رسول الله مثلَه، وأجاب: بأن إلى ههنا بمعنى المعية كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢] سلمنا أنها بمعنى الانتهاء، لكن حكمها متفاوت، فقد لا تدخل الغاية تحت المغيا. قال صاحب «الحاوي» : الإقرار بقوله مِن واحد إلى عشرة إقرار بتسعة وقد تدخل. قال الرافعي: هو إقرار بالعشرة وعليه الجمهور. وسلمنا وجوب المخالفة بين ما بعدها وما قبلها، لكن لا نسلم وجوبها بين نفس الغاية وما قبلها كما يقال: ما بعد المرفق حكمُه مخالف لحكم ما قبله لا نفس المرفق، ففي مسألتنا يجب مخالفة حكم الحيعلة لما قبلها، لا حكم الشهادة بالرسالة.
قال العيني: الأصل في المسألة المذكورة عند أبي حنيفة أنه يدخل الابتداء ولا يدخل الانتهاء، وعند أبي يوسف ومحمد: يدخلان جميعاً. وعند زفر: لا يدخلان جميعاً، فالذي يلزمه عند أبي حنيفة تسعة، وعندهما عشرة، وعند زفر ثمانية.
قال العيني: المستفاد من حديث معاوية في هذا الباب: أن يقول السامع من المؤذن مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين، واختصر البخاري حديث معاوية ههنا، وقد رُوي حديثُه بألفاظ مختلفة، ولهذا قال أبو عمر: حديث معاوية في هذا الباب مضطرب الألفاظ، بيان ذلك: أنه رُوي مثل ما يقول طائفة، وهو أن يقول مثل ما يقول المؤذن من أول الأذان إلى آخره، روى هذا الطحاوي: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا محمد بن عمرو الليثي عن أبيه عن جده، قال: كنا عند معاوية فأذن المؤذن، فقال معاوية رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل مقالته)) أو كما قال، وروى عنه:(مثل ما يقول) طائفةٌ أخرى،