للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يبادِره. قال: يردُّه)).

حدَّثنا فطر بن خليفة حدَّثنا عَمْرو بن دينار قال: مررت بابن عُمَر بعدما جلس في آخر صلاة حتَّى أنظر ما يصنع، فارتفع من مكانه فدفع في صدري. وقال ابن أبي شَيْبَة: أخبرنا ابن فضيل عن فطر عن عَمْرو بن دينار قال: مررت بين يدي ابن عُمَر وهو في الصَّلاة، فارتفع من قعوده ثمَّ دفع في صدري. وفي كتاب «الصلاة» لأبي نُعَيم: فانتهزني بتسبيحة.

قال شيخنا: ورواية الجمهور متَّجهة، وتخصيص الكعبة بالذِّكر؛ لئلَّا يُتخيَّل أنَّه يُغْتَفَرُ فيها المرور لكونها محل المزاحمة. انتهى. قال العَيني: الواقع في نفس الأمر عن ابن عُمَر في الردِّ في غير الكعبة وفي الكعبة أيضًا، فلا يقال فيه: التخصيص والتعليل فيه بكون الكعبة محلَّ المزاحمة غير موجَّه؛ لأنَّ في غير الكعبة أيضًا توجد المزاحمة، سيَّما في أيَّام الجمع في الجوامع ونحو ذلك، قال شيخنا في «انتقاض الاعتراض» ما حاصله: إنَّ العَيني لا يزال يأخذ كلامه ويضعه في شرحه، فإذا عثر بما يظنُّه ساقطًا فيبالغ في التشنيع، وهذا مبلغ علمه، والسَّلام. انتهى.

قلت: لكن التخصيص على الردِّ في الكعبة لا بدَّ له من نكتة، والذي يظهر لي: أنَّ المصلِّي في الكعبة قد يصلِّي لبابها فيُظنُّ لهذا أنَّه لا يردُّ من أراد المرور بين يدي هذا المصلِّي للباب، للدُّخُول إليها أو الخروج منها، فذكرها لدفع هذا الظنّ، والله أعلم.

قوله: (وَإِنْ أَبَى) أي المارُّ إن امتنع بكلِّ وجه إلَّا بأن يُقاتل المصلِّي المارَّ قاتله.

قوله: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) وقوله: (قَاتَلَهُ) على وجهين:

أحدهما: أن يكون لفظ (قَاتَلَهُ) بصيغة الفعل الماضي، وهذا عند كون لفظ: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) بصيغة الفعل المضارع المعلوم، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى المارِّ الذي هو فاعل لفظة (أَبَى)، والمنصوب يرجع إلى المصلِّي، والضمير المرفوع في (قَاتَلَهُ) يرجع إلى المصلِّي، والمنصوب يرجع إلى المارِّ.

والوجه الآخر: أن تكون لفظة (إلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ) بصيغة المخاطب، أي <إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَ المارَّ فَقَاتِلْهُ>، بكسر التَّاء وسكون اللَّام على صيغة الأمر للحاضر، وهذه رواية الكُشْمِيهَني، والأوَّل رواية الأكثرين، قال شيخنا: وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عُمَر، وقد وصلها عبد الرزاق، ولفظه عن ابن عُمَر قال: ((لا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ وأنتَ تُصلِّي، فإنْ أَبَى إلَّا أنْ تقاتلَهُ فقاتلْهُ)) وهذا أمر موافق لسياق الكُشْمِيْهَني. انتهى.

فإن قلت: لفظة (قَاتِلْهُ) في الوجه الثَّاني جملة أمريَّة، والجملة الأمريَّة إذا وقعت جزاء للشرطيَّة فلا بدَّ فيها من الفاء، قال العَيني: تقدير الكلام: فأنت قاتله، قال الكِرْماني: ويجوز حذف الفاء منها، نحو:

مَن يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكرُها، قال العَيني: حذف الفاء منها لضرورة الوزن فلا يُقاس عليه، ويروى: (فَقَاتِلْهُ) بالفاء على الأصل.

النوع الثالث: في أنَّ المروي عن ابن عُمَر ههنا على سبيل التعليق ثلاثة أشياء:

الأوَّل: ردُّه المارَّ في التشهُّد، وقد وصله أبو نُعَيم وابن أبي شَيْبَة كما ذكرناه عن قريب.

الثاني: ردُّه في الكعبة، وقد وصله أبو نُعَيم أيضًا كما ذكرناه، وفي حديث يزيد الفقير: صلِّيتُ إلى جنب ابن عُمَر بمكَّة، فلم أرَ رجلًا أكره أن يمرَّ بين يديه منه.

الثالث: أمرُه بالمقاتلة عند عدم امتناع

<<  <   >  >>