ذلك، فقال: (قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالمَطَرِ)، وبوَّب عليه ابنُ خزيمة، وتبعه ابن حبانَ والمحبُّ الطبري: حذفُ حيَّ على الصلاةِ في يوم المطر، وكأنَّه نظر إلى المعنى؛ لأن حيَّ على الصلاة معناه: هَلمُّوا إلى الصلاة، والصلاة في الرِّحال وصَلُّوا في بيوتكم يناقض ذلك.
قلت: وسيأتي في فقه الحديث الاختلاف في ذلك. انتهى.
وقوله: (الصَّلَاةَ) منصوب بعامل محذوف، تقديره: صلوا الصلاة وأدُّوها (فِي الرِّحَالِ)، وهو جمع رَحْل، وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث، أي: صلوها في منازلكم.
قوله: (فَنَظَرَ القَوْمُ) أي: نظرَ إنكارٍ على تغيير وضع الأذان، وتبديل الحيعلة بذلك، وفي رواية الحجبي: (كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ)، وفي رواية أبي داود: (اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ).
قوله: (فَقَالَ) أي: ابن عباس (فَعَلَ هَذَا) إشارته إلى ما أمر المؤذن بأن يقول: الصلاة في الرحال موضع: حي على الصلاة.
قوله: (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) قال العينيُّ: كلمة (من) في محل الرفع؛ لأنه فاعل قوله: (فعل)، والضمير في (منه) يرجع إلى ابن عباس، ومعناه: أمر به من هو خير من ابن عباس. وقال شيخنا: الضمير في (مِنْهُ) يرجع إلى المؤذن، يعني: فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير من هذا المؤذن.
وللكشميهنيِّ: (مِنْهُمْ)، قال العيني: ووجِّه أن يرجع الضمير إلى المؤذن والقوم جميعاً.
وقال شيخنا: وأما رواية الكشميهنيّ ففيها نظرٌ، ولعلَّ من أذَّن كانوا جماعة إن كانت محفوظة، أو أراد جنس المؤذنين، أو أراد: خير من المصلين. انتهى.
قال العيني: في نظره نظرٌ، وتأويله بالوجهين غيرُ صحيحٍ، أما الأول فلم يثبت أن من أذن كانوا جماعة، وهذا احتمال بعيد؛ لأن الأذان بالجماعة محدث. وأما الثاني فلأن الألف واللام في (المؤذن) للعهد، فكيف يجوز أن يراد به الجنس؟! انتهى.
قلت: ويحتمل أنه أراد بذلك التعظيم للمؤذن، مثل قول المسلّم على الواحد: سلام عليكم. انتهى.
وفي رواية الحجبي: (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في رواية مسلمٍ وأبي داود.
قوله: (وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ) يعني: أنّ الجمعةَ عزمةٌ بسكون الزاي، أي: واجبة متحتمة، وجاء في بعض طرقه: (إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ).
فإن قلت: لم يسبق ذكرُ الجمعة، فكيف يعيده إليها؟
قال العيني: قوله: (خَطَبَنَا) يدلُّ على أنَّهم كانوا في الجمعة، وقد صرح بذلك في رواية أبي داود حيث قال: (إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ)، زاد ابن علية: (وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ) أي: كرهت أن أشقَّ عليكم بإلزامكم السعي إلى الجمعة في الطين والمطر، وفي رواية الحجبي من طريق عاصم: (أَنْ أُؤْثِمَكُمْ) أي: أن أكون سبباً لاكتسابكم الإثم عند ضيق صدروكم، وهي ترجّح روايةَ من روى: (أُحْرِجَكُمْ) بالحاء المهملة، ويروى: (أَنْ أُخْرِجَكُمْ) بالخاء المعجمة من الإخراج،