قال الكرماني: ويروى: <بإصبعه> بلفظ المفرد، ولم يذكُرْهُ غيره. وفي الأصبع عشر لغات: فتح الهمزة، وضمُّها، وكسرُها، وكذلك الباء فهذه تسعة، والعاشر أُصبُوع.
قوله: (إِلَى فَوْقُ) رُوي مبنياً على الضم على نية الإضافة، ومنوناً بالجر على عدم نيتها، وهكذا حكم الأسفل لكنه غير منصرف فجره بالفتح، وكذا سائر الظروف التي تُقطع عن الإضافة، وقُرئ بهما في قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: ٤].
قوله: (وَطَأْطَأَ) على وزن: دَحرَجَ، أي: خفض إصبعه إلى أسفل. وأشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى الفجر الكاذب وهو الضوءُ المستطيل من العُلُوِّ إلى السُّفْلِ، وهو الذي تسميه العرب ذنبَ السِّرْحان، وهو من الليل ولا يدخل به وقت الصبح ويجوز التسحر ونحوه.
قوله: (حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَيهِمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ) قال شيخنا: أطلقَ القولَ هُنا على الإشارة.
في قوله: (قَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ) قال العيني: والسبابة من الأصابع التي تلي الإبهام، وسميت بذلك لأن الناس يشيرون بها عند الشتم.
قال شيخنا: وكأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما ليحكِيَ صفةَ الفجر الصادق، لأنه يطلُع معترضًا ثم يعُمُّ الأفقَ ذاهبًا يمينًا وشمالًا بخلاف الفجر الكاذب فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض، وإلى ذلك أشار بقوله: رفع وطأطأ.
وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان: ((فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا ولكن الفجر هكذا)) فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقروناً بالإشارة الدالة على المراد، ولهذا اختلفت عبارةُ الرواة، وأخصرُ ما وقع فيها روايةُ جرير عن سليمان عند مسلم: ((ليس الفجرُ المعترضُ ولكنْ المستطيلُ)).
قال العيني: رواية مسلم: ((لا يغرنكم من سحوركم أذانُ بلال، ولا بياضُ الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا)). وحكاه حماد بن زيد، وقال: يعني معترضاً. وفي رواية أبي الشيخ من طريق شعبة عن سوادة: سمعت سَمُرة يخطب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض حتى يبرُق الفجرُ أو ينفجر الفجر)). انتهى.
فيه: أن الأذان الذي كان يؤذِّنُه بلال رضي الله عنه كان ليرجعَ القائم وإيقاظِ النائم، وبه قال أبو حنيفة. قال: ولا بد من أذان آخر كما فعل ابن أم مكتوم، وهو قول الثوري أيضاً، وقد ذكرنا اختلاف العلماء فيه فيما مضى.
قال شيخنا: وتمسك الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا لمذهبه فقال: قد أَخبَر أن ذلك النداء كان لما ذُكِر لا للصلاة، وتُعُقِّبَ بأن قوله: لا للصلاة. زيادةٌ في الخبر وليس فيه حصر فيما ذُكِر.
فإن قيل: تقدَّمَ في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلامٌ بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، والأذان قبل الوقت ليس إعلاماً بالوقت، فالجواب أن الإعلام بالوقت أعمُّ من أن يكون إعلاماً بأنه دَخَل أو قَارَبَ أن يدخل وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول الوقت مُرَغَّبٌ فيه، والصبح يأتي غالبا عقب نومٍ فناسب أن يُنَصَّب