في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين: وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن شيخ البخاري من أفراده. وفيه: ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم صالح والزهري وأبو سلمة، فقد رأى صالح عبدَ الله بن عمر. وفيه: أن رواته كلهم مدنيون.
قال العيني: أخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا ذكر في المسجد أنه جُنُبٌ يخرج كما هو ولا يتيمَّم: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا:((مكانَكم))، ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر وصلينا معه. وقد قلنا هناك: إنه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وتكلمنا بما فيه الكفاية، ولنتكلم هنا بما يتعلق بالحديث المذكور.
فقوله:(خَرَجَ) أي من الحُجرة، قال شيخنا: قوله (خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) يَحتمل أن يكون المعنى: خرج في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجَه، وهو ظاهرٌ في الرواية التي في الباب الذي بعده لتعقيب الإقامة بالتسوية وتعقيبِ التسوية بخروجه جميعًا بالفاء، ويحتمل أن يُجمع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتَا حالًا، أي خرجَ والحالُ أن الصلاة أقيمت والصفوفَ عُدِّلت.
قال العيني: ليس فيه الاحتمالان اللذان ذكرهما، بل معنى الحديثين سواء، لأن الجملتين أعني قوله:(وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ) وقعتا حالين، والمعنى: أنه خرج والحال أنهم أقاموا الصلاة وعدلوا الصفوف، وكذلك معنى الحديث الثاني، لأن الفاء فيه ليست للتعقيب كما ظنَّهُ هذا القائل، وإنما هذه الفاء تسمَّى فاءَ الحال، والمعنى: حالَ إقامة الصلاة وتعديلِ الصفوف خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قلتُ: ما قال شيخُنا صحيح، والاحتمالُ لا يردُّه، والفاءُ في هذا المقام يصح أن يكون للتعقيب كما يصح أن يكون للحال، ويُرجِّح ما قاله شيخنا من التعقيبِ بين الإقامة والتسوية فقط ما ذكرَه صاحب «تحفة المتهجد وغنية المتعهد» جمالُ الدين بن خليل الدمشقي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولى تسويةَ الصفوف بنفسه أحيانًا حتى يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية ويمسح بيده الشريفة مناكبَهم وصدورهم ويسوي بنفسه صفوفهم)).
واعلم أن نهيَه عن القيام حتى يروه يلزم من العمل بمقتضاه أنَّ تسوية الصفوف بعد خروجه، فعلى هذا أنه لم يخرج حال تسوية الصفوف ولا عقِب التسوية