متأكّد، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء أوجبه. قال العَيني: قال أهل الظَّاهر بوجوبه لظاهر الأمر، فكأن النَّوَوي ما اطلع على هذا، أو ما اعتدَّ بخلافهم.
وقال ابن بطَّال: اتفقوا على دفع المارِّ إذا صلَّى إلى سترة، فأمَّا إذا صلَّى إلى غير السترة فليس له؛ لأنَّ التصرف والمشي مباح لغيره في ذلك الموضع الذي يصلِّي فيه، فلم يستحق أن يمنعه إلَّا ما قام الدليل عليه، وهي السترة الَّتي وردت السنَّة بمنعها.
وفيه: إنَّه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليردَّه، وإنَّما يدافعه ويردُّه من موضعه؛ لأنَّ مفسدة المشي في الصَّلاة أعظم من مروره بين يديه، وإنَّما أبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنَّما يردُّه إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتَّسبيح ولا يجمع بينهما، وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المارِّ إلى منع محقق، بل يُومئ ويشير برفق في صدر من يمرُّ به. وفي «الكافي» للرُّويانيِّ: يدفعه ويصبر على ذلك وإن أدَّى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعًا شديدًا أشدّ من الدرء، ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عند مالك وأحمد، وقال أشهب في «المجموعة» : إن قرب منه درأه ولا ينازعه، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته، وإن تجاوزه لا يردُّه؛ لأنَّه مرور ثانٍ. وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال الشَّافعي وأحمد، وقال ابن مسعود وسالم: يردُّه من حيث جاء، وإذا مرَّ بين يديه ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهرَّة قالت المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السُّترة.
وفيه: فإن أبى فليقاتله، قال عياض: أجمعوا على أنَّه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا بما يؤدِّي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قَوَد عليه باتِّفاق العلماء، وهل تجب ديَّته أم يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك، قال ابن سُفْيان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر. ذكره ابن التِّين.
واختلفوا في معنى:(فَلْيُقَاتِلْهُ) والجمهور على أنَّ معناه: الدفع بالقهر، لا جواز القتل، والمقصود: المبالغة في كراهة المرور، وأطلق جماعة من الشافعيَّة: أنَّ له أن يقاتله حقيقةً، وردَّ ابن العربيِّ ذلك وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وقال بعضهم: معنى (فَلْيُقَاتِلْهُ) : فليلعنه، قال الله تعالى:{قُتِلَ الخَرَّاصُوْنَ}[الذاريات: ١٠] أي لعنوا، وأنكره بعضهم، وقال ابن المنذر: يدفع في نحره أوَّل مرَّة، ويقاتله في الثانية وهي المدافعة وقيل: المقاتلة بعد الثالثة، وقيل: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصَّلاة ويؤنِّبه، وقيل: يدفعه دفعًا أشدّ من الردِّ مُنْكِرًا عليه، وفي «التَّمهيد» : العمل القليل في الصَّلاة جائز، نحوَ قتل البرغوث، وحكِّ الجسد، وقتل العقرب بأخفِّ من الضرب، ما لم تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفُرَج إذا كان ذلك قريبًا، ودرء المصلِّي، وهذا كلُّه ما لم يكثر، فإن كثر فسد، قلت: إذا قتل برغوثًا في صلاته بطلت إذا كان قتله على شيء من جسده أو ثيابه. انتهى.
وفيه: أنَّ المارَّ كالشَّيطان في إنَّه شغل قلبه عن مناجاة ربِّه.