شعبةُ زائدةَ بن قدامة في متن هذا الخبر عن موسى، فجعل شعبةُ النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً حيث صلى قاعداً، والقومَ قيام، وهما متقِنان حافظان وليس بين حديثيهما تضادٌّ ولا تهاتر ولا ناسخٌ ولا منسوخ، بل مجمَل مفسَّر، وإذا ضُّمَّ بعضُها إلى بعض بطل التضادُّ بينهما، واستعمل كل خبر في موضعه، بيان ذلك أنه عليه السلام صلى في علته صلاتين في المسجد جماعةً لا صلاةً واحدةً، في إحداهما كان إماماً، وفي الأخرى كان مأموماً، والدليل على ذلك أن في خبر عبد الله بن جريج: بين رجلين أحدهما العباس والآخر علي رضي الله عنه، وفي خبر مسروق: خرج بين بريرة ونُوبَة، فهذا يدل على أنها كانت صلاتين لا صلاةً واحدة، وكذلك التوفيقُ بين كلام أبي نُعَيم بن أبي هند، وبين كلام عاصم بن أبي النَّجود في متن خبر أبي وائل، فإنَّ فيه: وجيء بنبي الله صلى الله عليه وسلم فوُضِع بحِذاء أبي بكرٍ في الصف.
قال أبو حاتم: في هذه الصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً وصلى قاعداً خلف أبي بكر، فإن عاصماً جعل أبا بكر مأمومًا وجعل أبو نعيمٍ أبا بكر إماماً، وهما ثقتان حافظان متقنان. وذكر أبو حاتم أنه عليه السلام خرج بين الجاريتين إلى الباب، وفي الباب أخَذه العباسُ وعليٌ رضي الله عنهما حتى دخلا به المسجد، وذكر الدارقطني في «سننه» : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يهادَى بين الرجلين: أسامةَ والفضلِ، حتى صلى خلف أبي بكر، فيما ذكره السهيلي، وقال بعضهم: طريق الجمع كانوا يتناوبون الأخذ بيده عليه السلام، وكان العباسُ ألزمَهم ليده، وأولئك يتناوبونها، فذكرتْ عائشةُ أكثرَهم ملازمةً ليده وهو: العباس، وعبَّرت عن أحد المتناوبِين برجلٍ آخر.
فإن قلتَ: ليس بين المسجد الشريف وبيته عليه السلام مسافة تقتضي التناوب، يقال: يحتمل أن يكون لزيادةٍ في إكرامه عليه السلام، أو لالتماس البركة من يده عليه السلام، وفي حديث حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجِعاً، فأمَر أبا بكر فصلى بالناس، فوجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خفةً فجاء فقعد إلى جنب أبي بكر، فأم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو قاعد، وأم أبو بكر الناسَ وهو قائم.
وفي حديث قيس عن عبد الله بن أبي السفر عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس عن العباس بن عبد المطلب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس))، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفةً فخرج يهادَى بين رجلين، فتأخر أبو بكر فجلس إلى جنب أبي بكر، فقرأ من المكان الذي انتهى إليه أبو بكر من السورة، وفي حديث ابن خزيمة أخرجه عن سالم بن عبيد قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم