ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن شيخ البخاري من أفراده. وفيه: بشير المذكور وليس في الكتب الستة عن أنس غير هذا الحديث. والحديث أيضاً من أفراد البخاري. وفيه: أن رواته ما بين مروزي وكوفي ومدني، وتابع الفضلَ أبو معاوية وإسحاق الأزرق عن سعيد كما أخرجه الإسماعيلي عنهما.
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن أنساً حصل منه الإنكار على عدم إقامتهم الصفوف، وإنكاره يدل على أنه يرى تسوية الصفوف واجبةً، فتاركُ الواجب آثم. وظاهر ترجمة البخاري يدل على أنه أيضاً يرى وجوب التسوية. قال العيني: والصواب هذا لِورودِ الوعيد الشديدِ في ذلك. قيل: الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل على حصول الإثم. قال العيني: الإنكار يستلزم المنكَر وفاعل المنكَر آثمٌ، على أنه - عليه السلام - أَمَرَ بالتسوية، والأصل في الأمر الوجوبُ إلا إذا دلت قرينةٌ على غيره، ومع ورود الوعيد على تركِها، وإنكارُ أنس ظاهرٌ في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف، فعلى هذا يستلزم المخالفة التأثيم. انتهى. قال شيخُنا: وهو ضعيف لأنه يقتضي أنْ لا يبقى شيء مسنونٌ، لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب. انتهى. قال العيني: لا نسلم أنَّ حصولَ التأثيم منحصرٌ على ترك الواجب، بل التأثيم يحصُل أيضاً عن ترك السنة، ولا سيما إذا كانت مؤكدةً. انتهى.
وقال ابن بطال: لما كانت تسوية الصفوف من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلُها المدحَ عليها دلَّ على أن تاركها يستحق الذم. انتهى. قال شيخنا: وهو ضعيفٌ أيضاً من جهة أنه لا يلزَم مِن ذَمِّ تارك السنة أن يكون آثماً سَلَّمْنَا لكن يَرُدُّ عليه التَّعَقُّبُ الذي قبله، ويُحتمل أن يكون البخاريُّ أَخَذَ الوجوبَ من صيغة الأمر في قوله:(سَوُّوا صُفُوفَكُمْ)، ومِن عُموم قوله:(صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)، ومِن ورود الوعيد على تركه يترجَّحُ عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يصِحُّ على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبةٌ فصلاةُ من خالَفَ ولم يَسْتَوِ صحيحةٌ لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة.
وأفرط ابنُ حزمٍ فجزم بالبطلان ونازَعَ مَن ادعى الإجماعَ على عدم الوجوبِ بما صح عن عمر رضي الله عنهُ: أنه ضَرَبَ قَدَمَ أبي (١) عثمان النهدي لإقامة الصف. وبما صح عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يسوي مناكبَنا ويضربُ أقدامنا في الصلاة. فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحداً على ترك غير الواجب. وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. انتهى.
قال العيني: قد ناقض في قوله حيث قال فيما مَرَّ: التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب. فإذا لم يكن تاركُ السنة آثماً فكيف يستحق التعزير؟ بل الظاهرُ أن ضربهما كان لترك الأمر الذي ظاهره الوجوب، ولاستحقاق