للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن عائشة رضي الله عنها: لما بعثَ أهلُ مكَّة في فداء أسراهُم بعثت زينبُ بنتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في فداء أبي العاصِ بمالٍ، وبعثَت فيه بقلادةٍ لها كانت خديجةُ رضي الله عنها أدخلَتها بها على أبي العاصِ حين بنى عليها، قالت: فلمّا رآها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رقَّ لها رِقّةً شديدةً وقال: ((إنْ رأيتُم أنْ تُطْلِقوا لها أسيرَها وتَردّوا عليها الذي لها فافعلوا) قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردُّوا عليها الذي لها. وقال ابنُ إسحاقَ: وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد أخذَ عليه أن يُخلّي سبيلَ زينبَ- يعني أن تهاجرَ إلى المدينة - فوفّى أبو العاص بذلك ولحقت بأبيها، وأقام أبو العاصِ بمكةَ على كفره، واستمرت زينبُ عند أبيها بالمدينة، ثمَّ آخرَ الأمر أسلمَ وخرجَ حتَّى قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وعن ابنِ عبَّاسٍ: ردَّ عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ابنتَه زينبَ على النِّكاح الأوَّل لم يُحدِث شيئًا. وسنذكر حقيقةَ هذا الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا) في رواية مسلم من طريق عُثْمان بن أبي سُلَيمان ومحمَّد بن عجلان، والنَّسائي من طريق الزُّبَيدي، وأحمدَ من طريق ابن جُرَيج، وابنِ حبَّان من طريق أبي العُمَيس، كلُّهم عن عامرِ بن عبد الله شيخِ مالكٍ فقالوا: ((إذا ركعَ وضعها) وفي رواية أبي داودَ من طريق المَقبُري عن عَمْرو بن سُلَيم: ((حتَّى إذا أراد أنْ يركعَ أخذَها فوضعَها ثمَّ ركع وسجد، حتَّى إذا فرغَ من سجوده فقام أخذها فردَّها في مكانها)).

قال العَيني: تكلّمَ النَّاس في حكم هذا الحديث؛ فقال النَّوَوي: هذا يدلُّ لمذهب الشَّافعي ومن وافقَه: إنَّه يجوز حملُ الصَّبيِّ والصّبيَّة وغيرِهما من الحيوان في صلاة الفرض وصلاةِ النَّافلة، ويجوزُ للإمام والمنفردِ والمأموم، أما مذهبُ أبي حنيفةَ في هذا ما ذكره صاحبُ «البدائع» في بيان العمل الكثيرِ الذي يفسدُ الصَّلاة والقليلِ الذي لا يفسدُها، فالكثيرُ ما يُحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليلُ ما لا يُحتاج فيه إلى ذلك، وذكر لهما صورًا حتَّى قال: إذا أخذ قوسًا ورمى فسدت صلاتُه، وكذا لو حملتِ امرأة صبيَّها فأرضعته؛ لوجود العمل الكثير، وأمّا حملُ الصَّبيِّ بدون الإرضاع فلا يوجب الفسادَ. ثمَّ روى الحديثَ المذكورَ ثمَّ قال: وهذا الصّنيع لم يُكره منه عليه السلامُ؛ لأنَّه كان محتاجًا إلى ذلك لعدم من يحفظُها، أو لبيانه الشرعَ بالفعل، وهذا غيرُ موجبٍ فسادَ الصَّلاة، ومثل هذا أيضًا في زماننا لا يُكره لواحدٍ منّا لو فعل عند الحاجة، أمَّا بدون الحاجة فمكروه. انتهى.

وذكر أشهبُ عن مالكٍ: أنَّ ذلك كان من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاة النَّافلة، وأنَّ مثلَ هذا الفعل غيرُ جائزٍ في الفريضة. وقال أبو عمرَ: حسبُك بتفسير مالكٍ، ومن الدَّليل على صحَّة ما قاله في ذلك أنِّي لا أعلم خلافًا أنَّ مثلَ هذا العمل في الصَّلاة مكروه. وقال النَّوَوي: هذا التأويلُ فاسدٌ؛ لأنَّ قوله: (يؤمَ النَّاس) صريحٌ أو كالصّريح في إنَّه كان في الفريضة. قال العَيني: هو ما رواه سُفْيان بن عُيَيْنَة بسنده إلى أبي قَتَادَة الأنصاريِّ قال: ((رأيت النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يؤمَ النَّاس وأُمامةُ بنتُ أبي العاصِ وهي بنتُ زينبَ ابنةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على عاتقه))، ولأنَّ الغالبَ في إمامةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كانت في الفرائض

<<  <   >  >>