كنت أحسبُ هذا حسنًا، إلى أن رأيت في بعض طُرقه الصحيحة:(فإذا قامَ أعادَها).
وقال النَّوَوي بعد أن نقلَ ملخَّص كلامِ الخطَّابيُّ: هذا الذي ذكره هذا باطلٌ ودعوى مجرّدةٌ، ومما يرد قوله في «صحيح مسلم» : ((فإذا قام حملَها))، وقوله:((فَإذا رَفَعَ مِنَ السُّجود أَعادَها))، وقوله في غير رواية مسلم:((خَرَجَ عَلينا حَامِلًا أُمامةَ فصَلَّى)) وذكر الحديث، وأمّا قضيّةُ الخَميصة فلأنها تشغلُ القلب بلا فائدة، وحملُ أُمامةَ لا نسلِّم إنَّه يُشْغِلُ القلب، وإن شَغَلَه فيترتب عليه فوائدُ وبيانُ قواعد ما ذكرناه وغيره، فاحتمل ذلك الشُّغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة، فالصَّواب الذي لا يُعدل عنه: أنَّ الحديثَ كان لبيان الجواز والتنبيهِ على هذه الفوائد، فهو جائزٌ لنا وشرعٌ مستمرٌ للمسلمين إلى يوم الدين.
وقال العَيني: وجهٌ آخرُ لردِّ كلام الخطَّابيُّ، قولُهُ:(وَقامَ فَأخذَها فردَّها في مَكَانها) وهذا صريحٌ في أنَّ فعلَ الحمل والوضع كان منه عليه السَّلام لا من أُمامةَ. وقال بعضُ أصحابِ مالك بن أنسٍ: لأنَّه عليه السَّلام لو تركها لبكَت وشغَلت سِرَّه في صلاته أكثرَ من شُغله بحملها. وفرَّق بعضُ أصحابه بين الفريضة والنافلة، وقال الباجيُّ: إن وَجَدَ من يكفيه أمرَها جاز في النافلة دونَ الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما.
وحمل أكثرُ أهل العلم هذا الحديث على أنَّه عملٌ غيرُ مُتوالٍ؛ لوجود الطُّمأنينة في أركان صلاته، وقال الفاكهانيُّ: كان السِّرُّ في حمله أُمامةَ في الصَّلاة دفعًا لما كانت العرب تألفُه من كراهة البناتِ وحملِهنَّ، وخالفَهم في ذلك حتَّى في الصَّلاة للمبالغة في ردعِهم، والبيانُ بالفعل قد يكون أقوى من القول.
ومن فوائد هذا الحديث: جوازُ إدخال الصِّغار في المساجد، ومنها: جوازُ صحَّةِ صلاة مَن حمل آدميًا، وكذا من حملَ حيوانًا طاهرًا. وللشافعية تفصيلٌ بين المستجمِر وغيره، ومنها: أنَّ فيه تواضعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وشفقتَه على الصِّغار وإكرامَه لهم جبرًا لهم ولوالديهم.
قلتُ: وفيه جوازُ حملِ مَن لا يَتوقّى النجاسةَ إذا احتُمل إنَّه طاهرٌ حالَ الحمل. انتهى.
وروى عبدُ الله بن يوسفَ التِّنِّيسيُّ عن مالكٍ: أنَّ الحديثَ منسوخٌ. قال شيخُنا: روى ذلك الإسماعيليُّ عَقِبَ روايتِه للحديث من طريقه، لكنَّه غيرُ صريحٍ، ولفظه: قال التِّنِّيسيُّ: قال مالكٌ: في حديث النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناسخٌ ومنسوخٌ، وليس العملُ على هذا. وقال ابنُ عبد البرِّ: لعلَّه نُسخ بتحريم العمل في الصَّلاة. وتُعقِّب بأنَّ النَّسخَ لا يثبتُ بالاحتمال، وبأنَّ هذه القضيَّةَ كانت بعد قوله عليه السَّلام:((إنَّ في الصَّلاة لشُغْلًا))؛ لأنَّ ذلك كان قبلَ الهجرة، وهذه القصَّةُ كانت بعد الهجرة قطعًا بمدَّة مديدة. وذكر عياضٌ عن بعضهم: أنَّ ذلك كان من خصائصه؛ لكونه كان معصومًا من أن تبولَ وهو حاملُها. ورُدَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ الاختصاص، وبأنَّه لا يلزم من ثبوت الاختصاصِ في أمرٍ ثبوتُه في غيره بغير دليلٍ، ولا مدخلَ للقياس في مثل ذلك،