مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَم ِوَالنَّقِيْرِ والمُقَيَّرِ).
مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إنَّ في الآية المذكورة اقتران نفي الشرك بإقامة الصَّلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها، فإن قلت: كيف المناسبة بين النَّفي والإثبات؟ قال العَيني: من جهة التضاد؛ لأنَّ ذِكْرَ أحد المتضادين في مقابلة الآخر يعدُّ مناسبة من هذه الجهة.
قال العَيني: هذا الحديث قد أمعنا الكلام فيه في باب أداء الخمس من الإيمان؛ لأنَّ هذا الحديث ذكر فيه، لكنَّه رواه هناك عن علي بن الجعد عن شُعْبَة عن أبي جمرة، قال: كنت أقعد مع ابن عبَّاس فيجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتَّى أجعل لك سهمًا من مالي، فأقمت معه شهرين، ثمَّ قال: ((إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ)) الحديث، وقد ذكرنا هناك: إنَّه أخرج هذا الحديث في عشرة مواضع، وذكرنا أيضًا من أخرجه.
قوله: (إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ)، الوفد: قوم يجتمعون فيردُّون البلاد، وقال القاضي: هم القوم يأتون الملك ركابًا، وهو اسم الجمع، وقيل: الجمع، وعبد القيس أبو قبيلة، وهو ابن أفصى - بالفاء - ابن دُعمى -بالضمِّ- ابن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
قوله: (إِنَّا هَذَا الحَيَّ) بالنَّصب على الاختصاص.
قوله: (مِنْ رَبِيْعَةَ) خبر، لأنَّ ربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان، وإنَّما قالوا: ربيعة؛ لأنَّ عبد القيس من أولاده.
قوله: (إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ) المراد به الجنس، فيتناول الأشهر الحرم الأربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم. قلت: وفي أوَّل الأشهر الحرم خلاف، وتظهر فائدته فيما لو نذر أن يصوم أوَّل الحرم، أو يؤجِّل المال إلى آخرها ونحو ذلك. انتهى.
قوله: (نَأخُذُهُ) بالرَّفع على أنَّه استئناف، وليس جوابًا للأمر بقرينة عطف (نَدْعُوا) عليه مرفوعًا.
قوله: (مَنْ وَرَاءَنَا) في محلِّ النَّصب على أنَّه مفعول ندعوا.
قوله: (ثُمَّ فَسَّرَهَا) إنَّما أنَّث الضَّمير نظرًا إلى أنَّ المراد من الإيمان الشَّهادة وإلى إنَّه خصلة؛ إذ التقدير: آمركم بأربع خصال، فإن قلت: لم يذكر الصَّوم ههنا، مع إنَّه ذكر في باب أداء الخمس من الإيمان حيث قال: ((وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيَتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ)) والحال أنَّ الصَّوم كان واجبًا حينئذ؛ لأنَّ وفادتهم كانت عام الفتح، وإيجاب الصَّوم في السنة الثانية من الهجرة، قال ابن الصلاح: وأما عدم ذكر الصَّوم فيه فهو إغفال من الراوي، وليس من الاختلاف الصادر عن رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم.
قوله: (الدُّبَّاءِ) -بضمِّ الدال المهملة وتشديد الباء الموحَّدة وبالمدِّ وقد يقصر، وقد تُكسر الدَّال- وهو اليقطين اليابس، وهو جمع والواحدة دباءة، ومَن قَصَر قال: دُباة.
و (الحَنْتَمِ) -بفتح الحاء المهملة وسكون النُّون وفتح التَّاء المُثَنَّاة من فوق- وهي الجِرار الخضر تَضرب الى الحُمرة، و (النَّقِيْرِ) -بفتح النُّون وكسر القاف- وهو جذع ينقر وسطُه ويُنبذ فيه، و (المُقَيَّرِ) -بضمِّ الميم وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف- وهو المطلي بالقارِ وهو الزفت، وفي باب أداء الخمس من الإيمان: ((الحَنْتَم والدّبَاء والنَّقِيْر والمُزَفَّت)) وربما قال: ((المُقَيَّرِ)).
فإن قلت: ما مناسبة نهيه عليه السَّلام عن الظروف المذكورة، وأمرِه بأداء الخمس بمقارنة أمره بالإيمان وما ذكره معه؟ قال العَيني: كان هذا الوفد يكثرون الانتباذ في الظُّروف المذكورة، فعرفهم ما يهمُّهم ويُخشى منهم مواقعته، وكذلك كان يخاف منهم الغلول في الفيء فلذلك نصَّ عليه. انتهى.
قلت: وفيه مناسبة