للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَسَلَّم يَقُوْلُ: أَرَأَيتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُم يَغتَسِلُ فيهِ كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، مَا تَقُوْلُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلوات الخَمْسِ يَمحُو اللهُ بِهَا الخَطَايَا).

هذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة عن قُتَيْبَة عن ليث وبكر بن مضر عن ابن الهاد، وأخرجه التِّرْمِذي في الأمثال عن قُتَيْبَة به، وأخرجه النَّسائي في الصَّلاة عن قُتَيْبَة عن اللَّيث وحدَه به.

قوله: (أَرَأَيْتُمْ) الهمزة للاستفهام على سبيل التقرير، والتاء للخطاب، ومعناه: أخبروني هل يبقي؟ ويروى: ((أَرَأَيْتُكُمْ)) فالكاف والميم لا محلَّ لهما من الإعراب.

قوله: (لَوْ أَنَّ نَهَرًا) قال الطِّيبي: لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب، لكنَّه وضِعَ الاستفهامُ موضعَه تأكيدًا وتقريرًا، والتقدير: لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا، والنهر بفتح الهاء وسكونها: ما بين جنبي الوادي، سمِّي بذلك لسعته، وكذلك سمِّي النَّهار لسعة ضوئه.

قوله: (مَا تَقُوْلُ) قال شيخنا: كذا في النُّسخ المعتمدة بإفراد المخاطب، والمعنى: ما تقول أيُّها السامع؟ ولأبي نُعَيم في «المستخرج» على مسلم، وكذا للإسماعيلي والجَوْزَقي: ((ما تقولون؟)) بصيغة الجمع. انتهى. قلت: لفظ الجمع أوفق لقوله: (أَرَأَيْتُمْ) لكن في الإفراد التفات. انتهى.

قال شيخنا: لم أرَ في شيء من طرقه عند أحد من الأئمَّة الستَّة وأحمد بلفظ: (ما تقول) إلَّا عند البخاري، وليس هو عند أبي داود أصلًا، وهو عند ابن ماجَهْ من حديث عُثْمان لا من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم: ((أرأيتَ لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّات، هل ْكانَ يبقى من درنه شيء؟))، وعلى لفظه اقتصر عبد الحقِّ في الجمع بين «الصحيحين»، وكذا الحُمَيدي، ووَقَعَ في كلام بعض المتأخِّرين بعد أن ساقه بلفظ: ((مَا تَقُوْلُونَ؟)) إنَّه في «الصَّحيحين» و «السُّنن الأربعة»، وكأنَّه أراد أصل الحديث، لكن يردُّ عليه: إنَّه ليس عند أبي داود أصلًا، ولابن ماجَهْ من حديث أبي هريرة، ووَقَعَ في بعض النسخ المتأخِّرة من البخاري بالياء التحتانية آخر الحروف: ((من تقول؟))، فزعم بعض أهل العصر إنَّه غلط، وإنَّه لا يصحُّ من حيث المعنى، واعتمد على ما ذكره ابن مالك، أي من قوله: فيه شاهد على إجراء الفعل مجرى فعل الظنِّ، وشرطه: أن يكون مضارعًا إلى آخره كما سيأتي، وأخطأ في ذلك، بل له وجه وجيه، والتقدير: ما يقول أحدكم في ذلك؟ والشرط الذي ذكره ابن مالك وغيره من النُّحاة إمَّا لإجراء فعل القول مجرى فعل الظنِّ، وإما إذا ترك القول على حقيقته فلا، وهذا ظاهر، وإنَّما نبهت عليه؛ لئلَّا يُغتر به. انتهى.

قوله: (ذَلِكَ) إشارة إلى الاغتسال، وقال ابن مالك: فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظنِّ، والشرط فيه: أن يكون فعلًا مضارعًا مسندًا إلى المخاطب متَّصلًا باستفهام كما في هذا الحديث، ولغة سُليم إجراء فعل القول مجرى الظنِّ بلا شرط، فيجوز على لغتهم أن يقال: قلْتُ زيدًا منطلقًا ونحوه.

وقوله: (مَا تَقُوْلُ) كلمة ما الاستفهاميَّة في موضع نصب بلفظ يبقي، وقُدم لأن الاستفهام له صدر الكلام، والتقدير: أيُّ شيء تظنُّ ذلك الاغتسال مبقيًا من درنه؟ و (تَقُوْلُ) يقتضي مفعولين أحدهما هو قوله: (ذَلِكَ)، والآخر وهو المفعول الثاني.

قوله: (يُبْقِي) وهو بضمِّ الياء من الإبقاء.

<<  <   >  >>