للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إنَّ جميع ما ورد في الأحاديث الصحيحة الصريحة في استخدام الدف، إنما كان من الجويريات الصغيرات، إلا حديث بريدة رضي الله عنه وسيأتي الكلام عنه.

ففي حديث عائشة رضي الله عنها في النكاح (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف) رواه الطبراني في الأوسط.

وفي حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها (فجعلت جويريات يضربن بالدف) رواه البخاري.

وفي حديث أنس رضي الله عنه (فإذا هو بجوار يضربن بدفهن) رواه ابن ماجه.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها في العيد (وعندها جاريتان تضربان بدفين) رواه أحمد والنسائي.

لكن هناك فرق بين حكم ضرب الرجال للدف، وبين سماع الرجال لضرب الدف؛ لأن سماع الرجال لضرب الدف إذا كان من الصغار وفي العرس أو الأعياد فهو جائز وقد وردت فيه أحاديث تقدم بعضها.

أما ضرب الدف عند قدوم الغائب فقد ورد فيه حديثان:

الأول: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه: (أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين) رواه ابن ماجة وليس عنده أنه قدم المدينة فلا يُستشهد به على قدوم الغائب ثم إنهن صغيرات يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في آخر الحديث: (يعلم الله أني لأحبكن).

والثاني: حديث بريدة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً -وفي رواية: سالماً- أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) رواه الترمذي

والذي يظهر أن هذه الحادثة واقعة عين لم تتكرر فلا عموم فيها ولا تُعارض بها النصوص.

وواقعة العين هي الحادثة الظنية التي تعارض أصلاً أو قاعدة كلية في الشريعة وتكون محتملة لأكثر من تأويل، وقضايا الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال، ومن الأمثلة المشهورة في واقعات العين قصة رضاع سالم مولى أبي حذيفة من سهلة بنت سهيل رضي الله عنهم والمعروفة عند الفقهاء برضاع الكبير.

وعليه فهذه الحادثة واقعة عين لا عموم لها, وحوادث الأعيان لا يستدل بها على عموم الأحكام, فالجارية نذرت أن تضرب فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بعودته سالماً, وهذا لا مماثل له ليُقاس عليه، والذين أباحوا الضرب بالدف في كل مناسبة فرح وسرور وعند قدوم أي غائب غفلوا عن النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرب بالدف ما لم تكن قد نذرت, والنهي قد جاء في الحديث نفسه بلفظ: (وإلا فلا) وفي لفظ آخر: (وإلا فلا تفعلي) فهذا نهي صريح عن الضرب بالدف فرحاً بعودته صلى الله عليه وسلم, والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم واستُثني من ذلك أن تكون قد نذرت أن تضرب فوق رأسه هو صلى الله عليه وسلم فالحالة المستثناة من النهي الصريح هي حالة النذر بالضرب فوق رأسه هو, فرحاً بعودته هو صلى الله عليه وسلم فالخصوصية هنا واضحة ولله الحمد.

ولو سلمنا بأنها ليست خصوصية وأنها ليست واقعة عين فليس فيها دليل على جواز الضرب بالدف لكل قادم فما أكثر سفر الصحابة وقدومهم ومع هذا لم ترد رواية واحدة أن أحداً من النساء أو الجويريات ضرب بالدف على رأسه فضلاً عن الرجال.

أقوال أهل العلم:

١ - قال الإمام أحمد: أذهب إلى حديث إبراهيم: كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري في الطريق معهن الدفوف فيخرقونها (الأمر بالمعروف للخلال ١/ ١٧٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>