[نداء إلى أهل ليبيا]
بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه
رابطة علماء المسلمين
٢٣ ذو القعدة١٤٣٢هـ
الحمد لله معز المؤمنين، وناصر أوليائه المتقين، ومذل الطغاة ومهلك المستكبرين، الحمد لله الذي قال في كتابه الكريم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص:٥] وقال: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) [محمد:٧]. والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:
فنحمد الله تعالى على ما منّ به من هلاك عدو الله القذافي وانتهاء القتال, وزوال حكم الظلم والعدوان, (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: ٤٥] ونسأل الله تعالى أن يعامله بما يستحق، ونبارك للأمة الإسلامية عامة وإخواننا في ليبيا خاصة على هذا الانتصار العظيم، وإن هذا الانجاز العظيم بعد الجهاد الطويل والصبر النادر والتضحيات الضخمة ليعطي الأمل والتفاؤل بانتصار بقية الشعوب التي تجاهد لرفع الظلم، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [الشعراء:٢٢٧]، وهذه النهاية المفرحة - كنهاية من سبقه من الظالمين- هي رسالة لكل حاكم ظالم باغ، وإنذار لكل من لا يطبق دين الله، وإن هذه الأخبار المفرحة تزيدنا تفاؤلا بنصر الله مهما طال الزمن ومهما عظمت المصائب وتكالبت المحن (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) [الروم:٦٠] وتزيدنا يقيننا بأن (العاقبة للمتقين) [هود:٤٩]، وهي رسالة للمتشائمين واليائسين، فأين الظالمون الذين كانوا قبل عدة أشهر يسومون شعوبهم سوء العذاب .. (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) [مريم: ٩٨].
إن رابطة علماء المسلمين مع هذه الأحداث ومع ما يتوقع من مستقبلٍ للأوضاع والأحوال في ليبيا ومن منطلق الواجب الشرعي بالنصح للمسلمين تتوجه إلى أهل ليبيا -قادة ومسؤولين, ومقاتلين, وعامة- داعية لهم أن يراعوا أموراً ومسائل شرعية مهمة وهي:
أولاً: إن المحافظة على النصر -الذي تحقق بفضل الله تعالى- واجب محتم, وهذا لا يكون إلا بالتواضع لله تعالى, وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً مطأطئاً رأسه تواضعاً لله تعالى, ومن ثم فإننا نوصي إخواننا بحمد الله والثناء عليه وشكره على ما أنعم به مع التوبة إلى الله, وكثرة الاستغفار, ومراقبة الله في السر والعلن (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل: ٥٣]، (وإن تشكروا يرضه لكم) [الزمر: ٧] (لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم:٧].
ثانياً: الحرص على الوحدة واجتماع الكلمة, وخاصة بين القبائل, والمناطق والمدن, والقرى, والحذر من الاختلاف والفرقة والعصبيات الجاهلية, التي يدعو إليه الشيطان, فإنها تؤدي إلى الخسارة والبوار, وقطف الأعداء لثمرة الجهاد, قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [آل عمران: ١٠٣]، وقال: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال: ٤٦] , وقال صلى الله عليه وسلم لماّ بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا, وبشرا ولا تنفرا, وتطاوعا ولا تختلفا) [متفق عليه].
ثالثاً: الحذر من إعطاء الفرصة للأعداء، الذين يطمعون في السيطرة على البلاد، والتحكم في نظامها، والاستئثار بخيراتها، وأهم من ذلك صدهم للمسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم وقوتهم سعادتهم في الدنيا والآخرة.