[التغيرات والتداخلات في الاتجاه السلفي]
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
(١/ ٢)
تلك المواقف الذي أسهم حادث ضرب مركز التجارة العالمي ١١ سبتمبر ٢٠٠١، في إعادة صياغتها وفق اجتهادات خاصة، قضت بوجوب التغيير والمراجعة، تركت أثرها البارز في حركة المجتمع: الدينية، والثقافية، والفكرية. سواء في الحدود الشخصية أو العامة.
في فترة مرت منذ عقدين وأكثر، كان هنالك شبه اتفاق على الموقف الشرعي من مسائل عديدة، تتعلق بالتوحيد، والسنة، والاقتصاد، والمرأة، كذلك في المسائل الشخصية، كإطلاق اللحية، وتقصير الثياب، يضاف إلى ذلك التصوير والموسيقى. وأشياء لا يعين المقام على سردها، وهي معروفة للمتابع، كان رأي الاتجاه السلفي فيها متقاربا، والخلاف قليل لا يكاد يظهر، ومن أكبر أسباب هذا الاتفاق؛ أن هذا الاتجاه كان يتبع جملة من المشايخ، اجتمعت عليهم الكلمة واتفقت وتآلفت، كانوا في هذه المسائل متقاربين، وما بينهم من خلاف يسير، لم يكن ليؤثر في المنهج ولا الاتباع.
لم يمر العام ١٤٢١هـ حتى رحل جميعهم، فلم يتبق منهم أحد .. لم يقم مقامهم أحد، له تأثير كتأثيرهم الواسع المتجاوز للحدود والأقاليم، وكأن رحيلهم كان إعلانا ببدء تغيرات مرتقبة.
حدثت حادثة القرن، واختلت صورة المنطقة العربية والإسلامية، فاحتلت دولتان هما العراق وأفغانستان، وصعد نجم الدولة الإيرانية، وغدت دول المنطقة مهددة عسكريا ومخترقة ثقافيا، واحتمل وحمّل الفكر والاتجاه السلفي كلاهما الوزر بكامله، ونسب إليه كل ما حاق بالمسلمين من مشكلات.
وتنصل الآخرون من المسؤولية .. بعضهم أسهم في الحملة، بقصد وبدون قصد. وبه بقي التيار السلفي أو الوهابي، كما يسميه خصومه، وحيدا غريبا يتناوله الجميع من كل جانب؛ جانب الفكر، والسلوك، والفقه، والسياسة، والعقيدة. أبيح حماه، وصار كبش فداء، ومُنح مبغضوه الفرصة للنيل والغمص.
لقد وجد نفسه مهددا حتى من بعض أبنائه؛ الذين تربوا في محاضنه، حيث لم يترددوا في الإسهام في الحملة - بقصد الإصلاح لا ريب!!! - مبررين فعلتهم بأنه من قبيل الإنصاف والاعتراف بالحق، وأن المنهج السلفي يقوم على: أن الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال.
فانتقل بذلك عدوى التفرق، الذي كان حصراً بين الجماعات إلى التيار السلفي نفسه، فحصل التفرق فيه فكرياً، وفقهياً، ليس حزبياً؛ لأن من طبيعة الاتجاه السلفي، في أصل تكوينه، لا يقوم على الحزبية، (= الهيكلية التنظيمية)، بل هو اتجاه فكري منهجي، يتبع مذهب الصدر الأول في الدين، ولا يلزم المنتسب إليه، الانضمام إلى مجموعة أو جماعة منظمة، إنما يكون منه إذا لزم مذهب الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهكذا فإن أتباع الاتجاه السلفي لا يشترط بينهم، الاتصال الشخصي والجماعي، ولا الاشتراك في نشاط مشترك، غاية ما هناك: أنهم جميعا يتبعون منهجاً واحداً، كسائر المسلمين؛ الجامع بينهم الدين الواحد، والنبي الواحد، والإله الواحد.
* * *
تفاوتت الاجتهادات، واختلفت الآراء حين خرج من العباءة من صار ينتقد المنهج نفسه، وهو موقف فاسخ للنسبة من أصلها، فالمنهج لا ينتقده إلا من يرفضه.
فما من مسألة إلا وحصل فيها إعادة نظر، تبعها تبني مواقف مضادة بالكلية، وفي بعضها جزئية، فالمسائل التي كان يظن فيها الثبوت الحكمي، عادت مسائل قابلة للنزاع والاختلاف، كان ذلك في جل أبواب الدين:
• في الاعتقاد:
- كاعتبار نصرة الكافرين على المسلمين من الكفر العملي.
- وتميز أهل السنة بكونهم على الحق المنزل وحدهم، أصابوا في جميع المسائل بمجموعهم، وغيرهم أصاب وأخطأ.
- وقد كثر الكلام في المولد النبوي، وطالب بعضهم إعادة النظر في الحكم عليه بالبدعة.