لقد ضرب لنا الليبراليون العرب أوضح الأمثلة في "الستر" على فضائح الآخرين ودللوا بجلاء عن إيمانهم بوجوب هذه "الفضيلة العظيمة" فيما يتعلق بالطوائف وأصحاب الديانات الأخرى إلى حد لم يعد يوجد في أمتنا من يباريهم في ذلك؛ فقصب السبق لهم وهم أصحاب المثال العصري الرائد في ذلك.
وإذا كان المخطئ من غير سوادنا الأعظم، أو كان على ملة تخالفنا فله الأعذار مجتمعة ولا بأس من صرف الشواهد على الظنيات ووهب الأخطاء لفيض الإحسان!
لك "الستر" إن لم تكن سنياً؛ فإن كنتَ "فسنجهل فوق جهل الجاهلينا"، ولو كان خطؤك زلة فتوى أو خطأ تعبير أو عبارة محتملة أو هفوة أو ذنب عابر .. هذا ما يبرهن عليه تعاطي صحافتنا العربية ومواقعنا الإلكترونية وإعلامنا المرئي مع كل صغيرة تصدر من عالم مسلم وأخرى كبيرة تصدر من حاخام أو قس أو حتى "آية" من آيات الفرس التي كان لنا فيها عبرة.
الداعية الشيعي الفار إلى حضن بريطانيا الدافئ لم يتناوله الإعلام الخائن عندنا على أنه مهرطق مسيء للدين الإسلامي ومقدساته إلا لماماً، ولم تلاحقه صحافتنا العربية كما لاحقت صاحب الرسوم المسيئة مع تشابههما في الجرم والخطيئة إلا قليلاً، وتجاهلت معظم القنوات المتلفزة تتبع أسباب هذه الإساءة وجذورها، والمعلن منها والمستور.
والليبراليون الذين يهرعون إلى أبواقهم عندما يزل عالم أو شيخ في فتوى أو في غالب الأحيان عندما يقلبون كلامه فيفهمون منه ما تريد قلوبهم المريضة، ويتلاطمون على رفض حكم الدين وتسلط "رجال الدين"، عميت أعينهم عن قراءة فتوى أصدرها خامنئي في يونيو ربط فيها منصب ولاية الفقيه في إيران بحكم الرسول وبصلاحيات أئمة الشيعة، و"ضرورة التسليم لأوامره ونواهيه"، وتأكيدات أحمد جنتي سكرتير مجلس صيانة الدستور الإيراني أن "الله حول إليه مهمة الحفاظ على الثورة الإيرانية وديمومتها"، والذي ادعى في الشهر ذاته أنه يقابل "الإمام الغائب" في خلوة! لكنهم اليوم يطبلون له بسبب فتوى "زوجة النبي صلى الله عليه وسلم" ـ على حد وصفه ـ ويزمرون بلا فهم أو تفكير أو مسحة عقل.
والذين صدعوا رؤوسنا بمحاربة ما يشتم منه على بعد آلاف الكيلومترات رائحة التكفير من علمائنا السنة، زكمت أنوفهم فلم تشم رائحة ما قاله محمد تقي مصباح يزدي الأب الروحي للرئيس الإيراني نجاد، وهو بدرجة " آية الله" الحوزوية صراحة في يونيو الماضي عن أن "من ينكر ولاية الفقيه متعمدا فهو مرتد."، بعد أن ارتمى مقبلاً حذاء مرشد الثورة علي خامنئي ـ بحسب مواقع إيرانية ـ ولم ينبسوا ببنت شفة عن هذا المعتقد الإقصائي التكفيري وأتباعه في عالمنا العربي والإسلامي، وهو لم "يتورط" في تكفير آحاد من ملاك فضائيات إباحية، بل شطب بممحاته التكفيرية أكثر من مليار ونصف المليار مسلم من ديانة الإسلام لا يؤمنون بخرافة "ولاية الفقيه" بل كل المسلمين على مر العصور، لا بل حتى السواد الأعظم من الشيعة قبل قرون ثلاثة لم يكن فيها الشيعة يعرفون إلا ولاية الإمام وليس ولاية الفقيه ..