للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاختلاط بين "محكم" الوحي و"متشابهه"]

عبد الله بن صالح العجيري

(١)

ليكن واضحاً من البداية أن الحديث هنا ليس عن "اختلاطٍ عفويٍ عارضٍ" كالاختلاط في السوق والطرقات فإنه لا خلاف أصلاً في حكم هذه المسألة، وإنما الكلام في "الاختلاط المقنن الممنهج" كالاختلاط الواقع في قاعات الدراسة ودوائر العمل، وهو مما لا خلاف في حكمه أيضاً.

(٢)

لست أشك بأن مسألة "الاختلاط" من المسائل الجلية الظاهرة التي لا لبس فيها على من سلم من داء "الجهل" وداء "الهوى". ولولا كثرة الملبسين فيها من أهل الريب بالباطل لما تردد في حكمها عامة الناس فضلاً عن خاصتهم.

...

في ظني أن من أهم "القواعد الشرعية المحكمة" التي ينبغي الاستمساك بها والصدور عنها مثل هذا الموضوع تلك "القاعدة القرآنية العظيمة" التي بينها الله تعالى في قوله:

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).

فمن تأمل هذه الآية وما تضمنته من "منهجية علمية قرآنية" في التعاطي مع نصوص الوحي فستنزاح عنه "أثقال الشبهات" وتتطاير "هباءً منثوراً"، ومن "غفل" عنها أو "تغافل" فسيظل مضطرباً حائراً أمام سيل الشبهات والإشكالات والانحرافات.

"الوحي" كما أخبر الله؛ فيه "النص المحكم" الذي يجب التزامه، "والنص المتشابه" الذي يلزم رده إلى "المحكم"، فإذا غاب عن الباحث قاعدة "المحكم" و"المتشابه" فلن يتميز له المراد الإلهي، وسيبقى متردداً متذبذباً يقفز مع كل أطروحة، ويربكه كل اعتراض.

واستحضار هذا المدخل -هو في ظني- ضروريٌ لمعرفة "المنهجية الشرعية الصحيحة" في التعامل مع ما يتصل بالقضية المطروحة بين أيدينا -أعني حكم الاختلاط- " بمعرفة "محكمات" هذا الباب و"متشابهاته"، والتعامل مع كلٍّ وفق قاعدة الشريعة في "المحكم" و"المتشابه".

لا يخفى على كل دارسٍ "لنصوص الوحي" و"مقاصد الشريعة" أن دين الإسلام جاء بـ"التحفظ والاحتياط في العلاقة بين الجنسين"، وأنه يؤسس لتصور يراد منه حفظ "عفاف" المجتمع و"نقاؤه" و"طهارته" بتشريع ما يشيعه في المجتمع ويحفظه، وتحريم ما يفضي إلى إضعافه أو إزالته، وتأمل في مسرد "التشريعات" التالي تعلم "صدق" ذلك:

"وجوب ضرب الخُمر على الجيوب وإدناء الجلابيب"، "حرمة إبداء الزينة للأجانب"، "النهي عن الضرب بالأرجل حتى لا تعلم الزينة"، "سؤال المتاع من وراء حجاب"، "منع الخضوع بالقول"، "القرار في البيوت"، "تحريم التبرج"، "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، "منع الخلوة بالأجنبية"، "تحريم وصف المرأة الأجنبية للرجل الأجنبي"، "التحذير من الدخول على النساء، وقوله: الحمو الموت"، "منع التعطر في الطريق"، "بيان أن المرأة عورة وذكر استشراف الشيطان لها إذا خرجت"، "تحريم الزنا وكل ما أفضى إليه الوسائل والأسباب"، "الأمر بحفظ الفروج"، "تحريم مس الأجنبية، وقوله: لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، "تحريم السفر إلا مع ذي محرم"، "وجوب غض البصر"، "بيان حكم نظر الفجأة"، "تحريم الملابس الشفافة والضيقة المجسمة"، "تطويل ذيول النساء" "الطواف من وراء الرجال" ... إلخ إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>