[عضوية المرأة للشورى .. تأصيل وتنزيل!]
عبدالعزيز الطريفي
٢ ذو القعدة ١٤٣٢هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل.
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
يَظنُّ كثيرٌ من الناس أن الفتنة هي الإثارة والهرج، ويُغفلون عن أن أخطر أنواع الفتنة قلب الحقائق والمفاهيم والسكوت عن ذلك قال تعالى: {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور} ومن يجيء بالحق ويُظهر أمر الله فهو دارىء للفتنة، ومطالبته بالسكوت درءاً للفتنة هو الفتنة.
تناقلت وسائل الإعلام كلاماً منسوباً لعدد من العلماء بجواز عمل المرأة في مجلس الشورى ومجالس البلديات، يحكون الجواز بإطلاق، ويُقيدون ذلك بـ (الضوابط الشرعية) دون أن يذكروا واحداً منها، ومَن الضابطُ لها، وما وجوه الضبْط في زمنٍ كثُرت فيه آراء الشذوذ، والإعلام يحكي إذا اشتهى الشذوذ إجماعاً، وإذا كره الإجماع حكاه شذوذاً، وهذا من الفتنة التي حُذرنا منها.
يُروى في المسند من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ((إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ، كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ، أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ)).
وكلما ارتفع الشيء زاد الراؤون له وكُلما دنا قلّوا، ولذا شبّه النبي العالِم بالنجم في السماء لأن أثره ينبسط على عموم الأرض ويهتدي به كلُّ من يراه، وإن من أخطر الأحوال أن تتحوّل هداية العالم من هداية أمة إلى هداية فردٍ أو أفراد في الأرض، ويتيه عامة أهل الأرض به.
والعالم الصادق إن حُجبت عنه العقول كما تَحْجب السحبُ النجمَ عن الأعين بقيَ مكانه، فلا يبحث عن الأعين ليظهر لها حيث تتجه، وإلا فهو فاقدٌ لهويته من نجم إلى شهاب يُضيء لحظة ليُمتِع الرائي له ثم ينتهي.
إن صناعة رأيٍ سائدٍ وتسفيه غيره سنّة قديمة يملكها من أخذ بأزمة المؤثرات على العقول، وهي مجتمعة اليوم في الإعلام، حتى إن القاريء يظن أن الأمة مجتمعة بين ألواح الصحف، بينما هم جُمِعوا كما تُجمع أحصنة الشطرنج بيدٍ واحدة على لوحٍ واحدٍ، حتى لا يكاد يجد الإنسان محلاً لحرف يضعه في خلاف ما يرون ولا يملك إلا كتابة رأيه منفرداً ويرمي به كالغريب فإن كتب قيل له: (عَبْر الطرق المأذون بها)، والطرق المأذون بها مغلقه، وقد قال فرعون للسحرة لما آمنوا بموسى: {آمنتم له قبل أن آذن لكم} وأين من يقبل إذنهم لو استأذنوا للإيمان، وإن آمنوا بلا استئذان عُوقبوا على عدم الاستئذان!
وأما الحديث عن عمل المرأة في الشورى فينبغي تأمل هذه المقدمة قبل الحديث فيه وهي:
أن الحكم على شيءٍ ما يَنبغي أن لا ينحصر على ذاته متجرداً من لوازمه، وأشباهه، والقرائن المحتفة به، فإذا انحصر على ذاته، فهذا مضاد لأصل العقل الصحيح، فإن الأشياء عقلاً تتشابه في نفسها وتختلف حُكماً للوازم وقرائن ونظائر تجعل العقل يحترز في موضعٍ ويُحجم في آخر، وكلاهما يُشبه الآخر لقرائن اقتضت ذلك، والمسير على خطٍ واحد في المتشابهات من خصال البهائم التي لا تحكم إلا على ما في حدقة العين وما خرج عنها فلا يعنيها بشيء، فتهرب الطيور من الإنسان ومن تمثاله فالصورة واحدة، وهذه النظرة ليست نظرة عقل صحيح فضلاً عن فقيه بصير.