[الليبراليون السعوديون: الأقلية الناطقة]
إدريس أبو الحسن
لطالما زعم رواد الاتجاه الليبرالي في المملكة بأنهم (الأغلبية الصامتة)، لكن إذا رجعنا مثلا إلى الانتخابات البلدية الأخيرة في المملكة، سنجدها أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن مقولة "الأكثرية الصامتة"، التي يتغنى بها الليبراليون هي (أكذوبة)، لا تمت إلى الواقع بصلة.
فلم يحظ اللبراليون، الذين رشحوا أنفسهم، إلا بأصوات قليلة جدا، اعتبرها المراقبون والصحافة السعودية علامة على نكسة هذا الاتجاه وخيبته.
الشعور بالخزي والعزلة الشديدة على المستوى الشعبي، أصبح يلازم فئة الليبراليين، فعلى قناة الحرة، كثيرا ما تبرم كتاب وكاتبات سعوديات من "نفور" المرأة السعودية مثلا من (حقوقها)، حتى وصفت كاتبة سعودية المرأة في المملكة (في معرض الكلام عن قيادة المرأة للسيارة)، بأنها تعرضت لغسيل دماغ على مدى سنين، ويصعب تغيير ذلك!!! معبرة بذلك عن العجز في إقناعها هي نفسها بهذا الموضوع قبل إقناع الرجل!!! ومثل هذا الوصف، الذي يمثل شكلا من أشكال الاستعلاء واليأس، لا يجد معظمهم حرجا في التصريح به، رغم أنه يعتبر استخفافا بعقل وخيارات شعب ناضج واع مميز.
المأزق الليبرالي مرده إلى الحصانة الفكرية والعقدية، التي نشأ عليها المجتمع السعودي، والتي تنظر إلى الاتجاهات الفكرية (المستوردة) نظرة شك وريبة، وإلى الليبرالية بالتحديد، نظرة استنكار واحتقار، خاصة وأنها تمثل الاتجاه الفكري الأمريكي، الذي يمثل محور الشر واحتلال الشعوب في ثقافة المسلمين جميعا.
فالمجتمع السعودي يدرك أن الليبرالية في إطارها الفكري تقوم على حرية الاعتقاد والسلوك، وبرغم أن تلك الحرية قابلة للتقييد بالأسس القانونية (سواء كانت دينية أو غير دينية) المنظمة للحياة (كما يروج ليبراليو المملكة)، إلا أن تلك القوانين نفسها من المنظور الليبرالي الفكري، لا يمكن أن تكون عادلة ما لم تتح حرية الاعتقاد المطلق للفرد والمجتمع، فـ"الردة عن الإسلام"، مثلا هو حق من حقوق الإنسان بالمفهوم الليبرالي، واعتباره جرما يعاقب عليه فاعله مناقض لحرية الإنسان في اختيار معتقده, وبالتالي هو نقيض الليبرالية، وقس عليه الحجاب ونحو ذلك.
فالليبرالية لا تعترف بالهيمنة المطلقة للقوانين والأديان، إنما تعترف بهيمنة تلك القوانين والأديان، ما دامت تحترم جوهر الفلسفة الليبرالية القائم على الحرية الشخصية، حتى لو اصطدمت تلك الحرية بالثوابت المطلقة للدين. وهو ما يعني أن الليبرالية اتجاه حاكم على النظم قبل أن تكون محكومة بها، وهذا هو الحد الأدنى والقاسم المشترك الذي تلتقي عليه الفلسفة الليبرالية في كل مراحل تطورها وبكل أشكالها، وهذا منشأ الرفض القطعي لهذا الفكر المستورد عند المجتمع السعودي.
وبشكل عام، يولد الإحساس بالعزلة لدى الليبراليين إحباطا نفسيا، لا يفتأ مع توفر مقومات التأثير، يتحول إلى ثورة جامحة مصرة على اختراق المجتمع، وتجاهل مكوناته وخصوصياته وثوابته وطبيعته، مهما كلف الثمن.
وباستقراء الوضع، يمكن إجمال ردة فعل الليبراليين الناجم عن العزلة في نقطتين:
* النقطة الأولى: الاستعلاء على الداخل
الاتجاه الليبرالي في المملكة وحتى قبل ١١ سبتمبر، يمثل على ما هو عليه من القلة، مكونا من مكونات المجتمع السعودي، وإذا اعتبرنا الاتجاه الحداثي في بعض أشكاله تجليا للاتجاه الليبرالي، فإن التأريخ لوجود هذا الاتجاه سيكون بعد السبعينيات على أقل تقدير، أي مع بداية تشكل الاتجاه الحداثي في المملكة.