[موقف العلامة محمد بن عثيمين من التصوير]
١٨/ ٧/١٤٢٨ هـ
فضيلةَ الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر البراك وفقه الله سلام عليك ورحمة الله وبركاته ... أما بعد: فقد قرأتُ كلام الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في التصوير في المجلد الثاني عشر من مجموع الفتاوى له، وقد لحظتُ فيه أشياء أشكلتْ، مثل قوله: "إن التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً، ومع ذلك لا يجوز اقتناء الصور للذكرى"، ومع تردد في بعض المواضع في حكم التصوير، وفي حكم النظر إلى بعض الصور ... آمل تعليقكم على ذلك.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنّ مَنْ يُمعن النظر في أجوبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في التصوير، والنظر إلى الصور واقتنائها، يلاحظ أن تصوُّره للواقع فيه تشوّش، أي: إنه لم يتصور الواقع تصوراً تاماً، ولهذا وقع في كلامه في هذا الموضوع بعض الأمور التي تُسْتَغربُ مِنْ مثله، عفا الله عنه، ويمكن أن يتخذ منها أهل الأهواء والشهوات طريقاً إلى ترويج ما يهوونه من برامج الإعلام المرئية، ونشر أنواع الصور في الصحف والمجلات.
وأهم ما لدينا من كلام الشيخ رحمه الله في هذا الموضوع أجوبته كما في مجموع الفتاوى له في ج ١٢ من صفحة ٣١١ إلى ٣٢٧ ومدار كلامه رحمه الله على ثلاث مسائل:
١ - حكم التصوير.
٢ - اقتناء الصور.
٣ - النظر إلى الصور.
وحاصل كلامه في حكم التصوير أنه يختلف باختلاف المصوَّر، واختلافِ الوسيلة في التصوير، وعلى هذا فالتصوير باعتبار حكمه عند الشيخ ثلاثة أنواع:
١ - تصوير مباح على الصحيح، وهو تصوير الجمادات والنباتات.
٢ - تصوير محرم، وهو تصوير ذوات الأرواح باليد.
٣ - تصوير مختلف فيه، وهو تصوير ذوات الأرواح بالكاميرا.
والشيخ رحمه الله في الأغلب من ظاهر كلامه يختار جواز هذا النوع ما لم يُتَوَصَل به إلى ما هو محرم فيحرم، واحتج الشيخ لما ذهب إليه:
أولاً: بأن التصوير بالكاميرا ليس هو من فعل المكلف، فلا يكون تصويرا.
ثانياً: أن التصوير الذي بالكاميرا ليس فيه مضاهاة لخلق الله، بل هو نقل للصورة التي خلقها الله بواسطة الآلة، وليس للإنسان في هذا فعل إلا توجيه الآلة وتحريكها، فنقل الصورة لا يتوقف على خبرة المحرك بالآلة ومعرفته بالرسم، وأيَّد رحمه الله ذلك بمَثَل، وهو أن تصوير الخط كما في الصكوك والوثائق ما هو إلا نقلٌ لخط الكاتب، وليس خطاً لمن نقله بالآلة، فيقال: هذا خط فلان الذي هو كاتب الأصل.
هذا حاصل ما احتج به الشيخ رحمه الله، وهو مسبوق إلى هذا، وما سمَّاه الشيخ نقلاً للصورة هو ما سمَّاه غيره من المجيزين للتصوير بحبس الظل، ويسمون التصوير بالكاميرا التصوير الضوئي.
والجواب عن الأول -وهو أن التصوير بالكاميرا ليس تصويراً لأن ذلك ليس من فعل المكلف- أن يقال: هذا غير مُسَلَّم، فإنه تصوير لغةً وعرفاً، فإنه يقال للآلة: آلة التصوير، ولمُشغِّلها: المُصور، ولفعله: التصوير، وللحاصل بها: صورة، وهذا التصوير من فعل المكلف ولكن بالوسيلة، وهو من فعل المكلَّف، ولكن بالوسيلة الحديثة ((الكاميرا))، ومما يدل على أنه من فعل المكلَّف أن له أحكاماً، فقد يكون مباحاً وقد يكون حراماً كما تقدم.
ويجاب عن الثاني -وهو أن التصوير بالكاميرا ليس فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ... إلخ- بأن ذلك ممنوع؛ فالمضاهاة مقصودة للمصور وحاصلة.
وتسمية ذلك ((نقلاً)) تغيير لفظٍ لا يغير من الحقيقة شيئاً، فلا يؤثر في الحكم.