قد لا يصدق أولئك الآباء المبتعدون عن واقع الشباب وخاصة في عالمهم الافتراضي أي مرحلة فكرية وصل إليها أبناؤهم، ربما لا يدري أحدهم أن ولده الذي إذا رآه خارجا إلى الصلاة مشى معه إلى المسجد، يصلي ويركع ويقرأ القرآن، ولكنه في نفس الوقت يدخل عالم النت ليعلن أنه يتبع مذهب "اللا أدرية"، أو مذهب "الشكاك"، أو مذهب "الإلحاد الصريح"، فكم رأينا شبابا من أبناء هذه البلاد، يتسمون بمحمد، وعلي، وسعود، وعبد الله وهم في حقيقتهم أصبحوا لقمة سائغة لدعاة الإلحاد، والانقلاب على الدين وأهله، يتحدثون في قضايا أفنى العلماء أوقاتهم في جدالها من قضايا الفلسفة وأفكارها ومناهجها، فتجد من لحن كلامهم، ومن تغريداتهم، ومقالاتهم التي يكتبون ضنكا فكريا يحيطهم من كل جانب، وشكاً في مسلمات الدين والعقيدة، وإنكاراً للخالق سبحانه وتعالى، وسبب ذلك فكرة تمر على البال ينفخ فيها الشيطان، أو شبهة يقرؤها في ميادين الإلحاد التي تحاول خلخلة الإيمان، وزرع الشك والريبة في عقول أبناء المسلمين.
إن قضية الإلحاد ليست قضية فكرية مجردة عن سياق الشخص الاجتماعي، بل هي حركة "نفاق" جديدة، يتعاطى الشاب مع محيطه الذي يعيش فيه على أنه مسلم، يتصرف بتصرفات المسلمين، ويسير على سلوكهم وطريقتهم، بينما يحمل في طياته حقدا وغلا على دينهم ونسقهم وثقافتهم، يتظاهر أمامهم بالديانة وهو في حقيقته يحمل فكرة تتجاوز نطاق الأديان كلها، حين ينكر الخالق وسر الخليقة، ويبشر بالأفكار العدمية التي تنزع أي قيمة للحياة، فتسلب من الشخص الطمأنينة النفسية، والاتساق الاجتماعي، والولاء للجماعة، قد انشغل فكره في الأسئلة الكبرى التي لم يستطع أن يجد لها جوابا، وقد ألهاه هذا كله عن بناء ذاته ومستقبله، ولربما أدى به هذا إلى ممارسة كل سلوك بلا ضوابط أخلاقية أو دينية أو اجتماعية بسبب المفاصلة بينه وبين كل هذا.
إن التساؤل حول القضايا الكبرى أمر يقع لأي إنسان، بل إن دفعه سماه النبي صلى الله عليه وسلم صريح الإيمان، فإن الشيطان يأتي للإنسان المسلم فيسأله من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول: من خلق الله، فحين اشتكى الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: أوجدتم هذا؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان، كما جاء في صحيح البخاري، أي أن دفعكم لهذا الوسواس الشيطاني هو صريح الإيمان، فإن علق بذهن الفرد سؤال حول الإيمان والخلق والوجود، فإنه يتوجه إلى العارفين بالأمور، الذين كتبوا وألفوا ليستفيد منهم، وهذا أمر لا شيء فيه، إنما الإشكالية حين يتبنى الشباب هذه الأفكار باعتبارها مذاهب يدعون لها، وينافحون عنها، ويجادلون حولها عبر معرفات مجهولة كثيرة، ومعروفة قليلة، بل انتقل هذا إلى نقاش مجالس تقام حوله الحوارات الطويلة، وهذا أمر خطير على الديانة والمجتمع ومستقبل البلد وأمنه.
إن جزءا مهما من توجه الشباب إلى مثل هذه الأفكار هو الضعف الشديد في طبيعة الخطاب الديني الذي ينصرف عن مناقشة هذه القضايا من خلال الأدلة العقلية والعلمية والنقلية، والذي يدلل على قضايا الإيمان من خلال توافق النص الديني مع القضايا العقلية القطعية، وبيان العلاقة بين الدين والعلم باعتبارها علاقة اتساق وتكامل، وتجلية خطاب القرآن على أنه خطاب يخاطب العقل كما يخاطب العاطفة، وأن مسائله الكبرى قد قامت على الإقناع العقلي، وليست هي قضايا تسليمية بلا برهان، فالقرآن مليء جدا بالحوارات العقلية التي أقنعت المخاطبين بتوافقه مع مقررات العقل البشري، والتي توصل إلى حقيقة سر الوجود، وعظمة الخالق، وترسيخ الإيمان في النفوس.