تشهد الساحة العربية سجالات فكرية بين العديد من التيارات الإسلامية حول الوحدة ومقوماتها لعل أبرزها وجهة النظر التي تدعو إلى أن تكون الوحدة وفق منطلقات سياسية مشتركة تجعل من القضية الفلسطينية محورا لها وتوجه كل طاقات العالم العربي نحو تحرير فلسطين وتجنب طرح القضايا الخلافية بين الفرق على طاولة النقاش على اعتبار أنها أي القضايا الخلافية تضرب في جذور التاريخ.
ويصعب بل يستحيل حسم الخلاف فيها، وأكثر من ذلك فإن فتح هذه الملفات سيؤجج الصراع بين الفرق والطوائف الإسلامية ويؤثر على قضاياها المشتركة ويكون المستفيد الأكبر من كل هذا إسرائيل والقوى الاستعمارية منبهين إلى أن وراء من يثير هذه المواضيع أيادي خفية تعمل على تقسيم المقسم وتجزيء المجزئ، من هنا كان تأييد تلك الحركات لثورة الخميني في إيران التي أعطت لهم دفعا معنويا كبيرا ومن هنا تدعم حزب الله في حربه ضد إسرائيل.
إذا ما وقفنا وتأملنا في وجهة النظر هذه فإننا سنجدها لا تعدو أن تكون شكلا من أشكال العلمانية أي فصل الدين عن السياسة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المنطلق السياسي لا يصح لأن يكون أساسا لمشروع وحدوي لأنه يخضع لمعطيات ومتغيرات مختلفة قد تدفع بالسياسي إلى أن ينتقل من نقيض القضية إلى نقيضها الآخر من أجل تحقيق مصالحه، أيضا لو أخذنا كمثال حزب الله لوجدنا أنه يستمد قوته من شيعيته لا من لبنانيته وهو يطرح نفسه في الساحة السياسية بهذه الصيغة ولا يمكن أن نغفل تأثير هذا على مواقفه السياسية فالدين عامل حاسم في التركيبة الفكرية لحزب الله وقد صرح الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأنه يؤمن بولاية الفقيه وكلنا يعرف ما تعنيه ولاية الفقيه والالتزام الذي تفرضه على حسن نصر الله تجاه المرشد الأعلى في إيران التي نظامها أيديولوجي بامتياز والواقع أثبت ذلك.
ومعظم الجماعات والحركات الدينية في العالم العربي ولاؤها للسلطة الدينية أكبر منه للسلطة السياسية.
وإذا ما سلمنا جدلا بصحة وجهة النظر هذه وتوحدنا سياسيا لتحرير فلسطين وتحررت كل البلدان العربية من الاحتلال الإسرائيلي، هل من ضمانات سياسية لهم على أن كل المكونات ستنطلق من العنصر الديني لتحقيق مصالح سياسية إما أكثريات لها الحق في الحكم أو أقليات تخشى التهميش.
أما وجهة النظر الثانية فهي ترى بأن الوحدة يجب أن تنطلق من أساس ديني متين تبنى عليه وهذا الأساس هو التوحيد ويتجلى ذلك في قولهم التوحيد أساس الوحدة.
من منطلق أن الجامع المشترك للأمة هو الدين وإذا بقي الخلاف حول الدين وبالأخص القضايا العقدية منه فإنه يستحيل أن تتحد الأمة وتتفق على شيء، وأن القضاياالسياسية يكثر فيها الخلاف وتكون المرجعية فيها هي المصلحة الذاتية والمنفعة الخاصة في حين أن الدين يكون من أجل المنفعة العامة، وعليه فهم يرون بأن الدين هو الوعاء الذي يحوي السياسة، فهي كالسائل إذا ما لم توضع في وعاء تتفرق بسرعة شديدة وفي اتجاهات مختلفة.