[المثقفون العرب .. المزورون العرب]
تأبين محمود درويش نموذجاً
إبراهيم بن محمد الحقيل
التزوير قديم في البشر، وتمجيد من لا يستحق التمجيد داء استبطن كثيرا منهم، وانتقاص من يستحق الثناء علة في أكثرهم، وأكثر من يتحدثون عن الحرية، وينادون بها، ويأسون على غيابها هم أكثر الناس تسلطا واستبدادا لو آل الأمر إليهم، ويخال للمرء وهو يقرأ تباكيهم على الحرية أنهم أول من يسحقها ويصادرها من خصومهم إن تمكنوا منهم، وأنهم لا يهتفون لها إلا ليصلوا بها إلى مصادرتها واحتكارها لهم وحدهم دون سواهم، وأنهم يرمون بصفاتهم القبيحة خصومهم.
وأشهر طاغية مستبد في التاريخ البشري عبَّد الناس لشهواته وآرائه، وكبت حريتهم، وعلا في الأرض كان فرعون الطاغية الذي اتهم موسى عليه السلام بالعلو والكبرياء والفساد في الأرض، وخاطب هو وملؤه المستكبرون موسى وهارون عليهما السلام قائلين {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس:٧٨] وكانت أعظم وسيلة لهذا الطاغية المستبد وملئه هي الافتراء والكذب وقلب الحقائق والتدليس على الناس، والظهور بمظهر الناصح المشفق {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ} [غافر:٢٦] ولذا كان من نصح موسى عليه السلام لهذا الطاغية وملئه ترك الكذب والافتراء، والبعد عن التزوير على الناس {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه:٦١].
وفي عصرنا هذا فإن دهاقنة الإعلام، ومنسوبي الصحافة الموصوفين زورا بالمثقفين يمثلون فراعنة هذا العصر في مجال الكذب والافتراء وتزوير الحقائق؛ لفرض مذاهبهم الضيقة، وتمرير أفكارهم المنحرفة، وصنع الرموز المزورة، وتجاهل العظماء الذين يمثلون حقيقة الأمة ونبضها وثقافتها وفكرها.
تأبين الزنديق محمود درويش:
كان الإعلام العربي بصحفه ومجلاته وفضائياته ينوح ويبكي ويتلو المراثي، وقد توشح منسوبوه السواد حزنا على هلاك رمز من رموزهم المزورة أرادوا فرضه على الأمة، وجعله علما من أعلامها بالكذب والافتراء والاستبداد الإعلامي.
قالوا فيه: (لقد كان صوتا إبداعيا وفكريا، وسيبقى شعره وأدبه وكفاحه مدرسة تلهم الملايين من أبناء شعبنا، انطفأ النجم الأكثر إشعاعا وانتصر الموت على شاعرنا الكبير) (النقش الأبدي) (كان رجلا فذا ورائدا مناضلا كبيرا) (شهيد الثورة الفلسطينية وشهيد القلم والبندقية وحامل هموم الوطن) (وفاته تعد جرحا عميقا في صدر الشعب الفلسطيني) (فاجأنا غيابك يا محمود درويش كما يفاجئنا القائد قبل أن تنتهي فصول المعركة) (شهيد القلم) هل قُتل بسبب شعره أو قلمه حين يوصف بذلك؟!
ووصفته مريدة له طالما حاربت الطهر والفضيلة ودعت إلى الرذيلة في صحفنا فقالت (درويش خريطتي المعلنة التي لا أتوه فيها وأنا أبحث عن زاوية في قلبي لم يلمسها أحد، في المساءات القلقة يكون درويش بلورتي، وأفتح الديوان على صفحة ما بطريقة عشوائية لأجد درويش يرسم لي مسائي وفأله).
ووصفه أحد رموز الفساد والإفساد بأنه في الشعر: (أعلى من كلِّ المقامات، أطول من كلِّ العمالقة، أبقى من كلِّ الفحول سيبقى والريح تحته يكتب كلاماً جميلاً على سفوح الزوابع).
وقال عنه رمز من رموز الحداثة: (رجلٌ نُجمع على تبجيله .. وصاحب صيت هو الأكبر في ثقافتنا اليوم).