[المدخل الفقهي للمشروع التغريبي]
د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي
٢٩ محرم ١٤٣٢هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
منذ انتهاء حقبة الاستعمار العسكري المباشر على بلاد المسلمين تم تسليم المجتمعات الإسلامية لنخب فكرية علمانية تسعى إلى صبغ هذه المجتمعات بالصبغة الغربية في مجال السياسة والاقتصاد والأسرة والتعليم وغيرها من المجالات الاجتماعية.
هذه الحقيقة العلمية والتاريخية لم تعد تخفى على المتابع، وليست من قبيل الأوهام أو عقدة المؤامرة كما يردده كُتاب المشروع التغريبي الذين آلمهم كشف المشروع وفضحه أمام المجتمع وتوعية الأمة بمخاطره، وخصوصا بعض المجتمعات التي نشط فيها المشروع التغريبي في فترة متأخرة بعد أن قوي التدين وانتشر العلم وظهرت الدعوة الإسلامية ظهوراً كبيراً وأقبل الناس عليها واستفادوا من منتجاتها النافعة.
وطبيعة المشروع التغريبي أنه مشروع خفي لا يظهر مقاصده وغاياته للناس مباشرة لأنه يعلم الموقف الطبيعي للمجتمع الإسلامي من فكره ومنهجه ونتائج مشروعه النهائية التي تتعارض تعارضاً جذرياً مع أصول الإسلام وحقائقه الكبرى، وهذا التخفي هو حال المنافقين الذي وضحه القرآن الكريم.
وأمام هذه الإشكالية المعيقة لتقدم المشروع فلا بد من اعتماد مداخل خفية على المجتمع تنقلهم بشكل تدريجي إلى الغايات دون الحاجة إلى مصادمة له لأن الخاسر الوحيد في حال الصدامات هو المشروع الدخيل والوافد الذي لا ينبع من تراث الأمة وهويتها واحتياجاتها الحقيقية.
وقد تعددت المداخل الخفية التغريبية على المجتمع الإسلامي وهي بشكل عام تعود إلى نوعين .. مدخل فكري منهجي، ومدخل عملي تنفيذي، فمن النوع الأول: استخدام الشهوات للتغيير الفكري والاجتماعي، وخاصة شهوة المال والجاه والنساء، واحتواء الاتجاه العصراني وما يسمى بالتنوير الإسلامي وتوجيه نتائج منظومته الفكرية لتصب في وعاء المشروع وإنائه، وتغطية المشروع ببعض المفاهيم الشرعية والمسائل الفقهية واستخدامها كمطية للتوصل إلى أهدافهم، والتركيز على المرأة، وإضعاف التدين وهيبة الشريعة في النفوس، ومن النوع الثاني: التغيير النظامي والقانوني وخاصة السياسات العامة، والتأثير الإعلامي، والتنسيق مع الجهات الأجنبية الرسمية وغير الرسمية، ونحوها من الوسائل العملية.
وفي هذه الخاطرة الوجيزة سيكون التنبيه على المدخل الفقهي للمشروع التغريبي.
الخلاف مع المشروع التغريبي ليس خلافاً في مسائل فقهية، أو في النظر في الأدلة، ومناقشة الراجح والمرجوح، وأقوال العلماء، بل الخلاف معهم في أصول الدين، والرضا بحاكمية الشريعة الإسلامية وهيمنتها على كل أجزاء الحياة والمجتمع؛ فالمشروع التغريبي يريد أن يفرض على الأمة منهجاً فكرياً، ونمطا اجتماعيا، وسلوكا أخلاقيا مستندا الى الفكر الغربي.
والنظرة التجزيئية للمشروع التغريبي، أو حصر الخلاف معه في الخلاف الفقهي المجرد نقص في التصور الكلي للمشروع، فهو مشروع شمولي يعتمد على تغيير اجتماعي وسلوكي قائم على أساس فكري علماني، فهو ليس مشروع اختلاط أو حفلات غنائية أو غير ذلك مما يعد من المعاصي إذا أُخِذ بمعزل عن الرؤية الفكرية الكلية التي ينطلق منها.