وفي جانب آخر من المعارف فإن حديث الفقيه حديث يراد منه إحداث التغيير في المجتمع؛ وهذا يعني أن يدخل في بناء الفقيه الجديد معارف ضرورية في سُنن التغيير في المجتمع، فليس من دور الفقيه أن يُبيِّن الحكم للناس دون مراعاةٍ لأبعاد هذا الحكم، أو النظر في إمكانية تطبيقه على أرض الواقع. يقول ابن تيمية في هذا المعنى: «فالعالِم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخَّر الله - سبحانه - إنزالَ آياتٍ، وبيان أحكام إلى وقت تمكُّن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيانها ... ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فَعَل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا داخل في قوله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن: ١٦](١)، وفي سير الأنبياء ثروة عظيمة من سنن التغيير في المجتمعات استفادت منها مجموعة من الدراسات الإسلامية التي كتبت في (علم الاجتماع).
أنني أُدرك إدراكاً تامّاً أن هذه الرؤى التي تقدمت إنما هي بحاجة إلى مزيد من المراجعة والتنقيح، والحديث حولها بحاجة كذلك إلى مجموعة من الورش العملية التي تخرِّج الرؤى حول هذا الموضوع أكثر نضجاً وواقعية، ولعل هذه الأسطر أن تثير مجموعة من التساؤلات حول هذا الموضوع الكبير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.