[حديث: ((رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء))]
القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية ومراجعة المشرف العام
٩ جمادى الآخرة ١٤٣١هـ
يتهم بعض المبتدعة شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه مجسِّم ويستشهدون بتصحيحه لحديث: ((رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء)) فهل حقاً صحح شيخ الإسلام هذا الحديث؟ وهل هو حديث صحيح؟
وللجواب على هذا السؤال أقول:
هذا الحديث ورد من طريقين وبألفاظ مختلفة.
الطريق الأول: من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً.
ومن ألفاظه:
((أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه، أو قال: رجليه في خضرة))
((رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء))
((رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء))
وهذا الحديث من هذا الطريق صححه جمعٌ من أهل العلم، منهم:
الإمام أحمد (المنتخب من علل الخلال: ص٢٨٢، وإبطال التأويلات لأبي يعلى ١/ ١٣٩)
وأبو زرعة الرازي (إبطال التأويلات لأبي يعلى ١/ ١٤٤)
والطبراني (إبطال التأويلات لأبي يعلى ١/ ١٤٣)
وأبو الحسن بن بشار (إبطال التأويلات ١/ ١٤٢، ١٤٣، ٢٢٢)
وأبو يعلى في (إبطال التأويلات ١/ ١٤١، ١٤٢، ١٤٣)
وابن صدقة (إبطال التأويلات ١/ ١٤٤) (تلبيس الجهمية ٧/ ٢٢٥)
وابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية ٧/ ٢٩٠، ٣٥٦) (طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف- ١٤٢٦هـ)
وضعفه ابن الجوزي في (العلل المتناهية: ١/ ٣٦) واستنكره الذهبي كما في (سير أعلام النبلاء ١٠/ ١١٣) وقال السبكي في (طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٣١٢): (موضوع مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
والطريق الآخر: من حديث مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب مرفوعاً.
ومن ألفاظه:
١ - ((رَأَيْتُ رَبِّي فِي المنام في صورة شاب مُوَقَّرٍ فِي خَضِرٍ، عليه نَعْلانِ من ذهب، وَعَلَى وجهه فراش مِنْ ذهب)).
٢ - ((يذكر أنه رأى ربه عز وجل في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب)).
٣ - ((أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في الخضرة، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب)).
وهذا الحديث صححه الحسن بن بشار وأبو يعلى كما في (طبقات الحنابلة لأبي يعلى: ٢/ ٥٩).
وضعفه واستنكره جمعٌ من أهل العلم، منهم:
الإمام أحمد (المنتخب من علل الخلال لابن قدامة ص٢٨٤)
ويحي بن معين (تاريخ بغداد للخطيب: ١٣/ ٣١١)
والنسائي (العلل المتناهية لابن الجوزي: ١/ ٣٠)
وابن حبان في (الثقات: ٥/ ٢٤٥)
والسبكي في (طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٣١٢)
وابن حجر في (تهذيب التهذيب ١٠/ ٨٦)
والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة ١/ ٣٠)
والشوكاني في (الفوائد المجموعة ص٤٤٧).
وكلُّ من صحح الحديث أثبت أنه رؤيا منام لا رؤيا عين، لذلك فلا إشكال ولا مطعن لأهل الأهواء فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية: ٧/ ٢٢٩): ((وكلها (يعني روايات الحديث) فيها ما يبين أن ذلك كان في المنام وأنه كان بالمدينة إلا حديث عكرمة عن ابن عباس وقد جعل أحمد أصلهما (أي حديث ابن عباس وأم الطفيل) واحداً وكذلك قال العلماء))
وقال في (بيان تلبيس الجهمية: ٧/ ١٩٤): (وهذا الحديث الذي أمر أحمد بتحديثه قد صرح فيه بأنه رأى ذلك في المنام)
وله رحمه الله كلامٌ صريحٌ في أنَّ الله لا يُرى في الدنيا بالأبصار فقال في (منهاج السنة: ٢/ ٣١٣) في معرض ردِّه على المجسِّمة: (أدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار)