لئن كُنّا اليوم نَتلقَّى المفاهيمَ التِّقنيّةَ والعلميّةَ من الخارج فلا يَعْني هذا أَنْ نَتلَقَّى معها مَفاهيمَ القِيَمِ والأخلاقِ والسُّلوك .. إنّ جميعَ الأُمم تَعتزُّ بِثقافَتِها ولا تَتخلَّى عنها، حتى الأُممُ الكافِرة لا تَقْبَلُ على نَفْسِها بأنْ تَستَوْرِدَ القِيَمَ والأخلاق مِن غيرِ تُراثِها لأنّ فيهِ إلغاءً لِذاتِها .. فَكيْفَ بالأُمّةِ المسلمة!! نحنُ إن كُنّا مُتأخّرين عن العالم الغربيّ عِلميّاً وتِقَنيّاً لأسبابٍ تاريخيّة وسياسيّة مَعْروفة إلاّ أَنّنا ما زِلْنا وسَنَظَلُّ مُتفوّقين عليهم أخلاقيّا وسلوكيّا وقِيَميّا إنْ نحنُ تَمسّكْنا بدينِنا، فلا يَصِحُّ إذنْ أَنْ نَتلقّى مِمّن هم دُونَنا في هذا الجانبِ ولو تَفوَّقوا علينا في العُلومِ الطّبيعيّة وأَبْهَرُونا بِقُدْرَتِهم على التّصنيع.
إنّ مِن القِيَمِ العالميّةِ التي تَرْعَاها وتُجِلُّها المنظّماتُ الدّوليّة والّتي انْخَرَطْنا معهم فيها نحنُ المسلمين بلا تَمييز"مفهوم الحقوق"، وهذهِ الحقوق مُرتبطةٌ بالحُريّات شِبْهِ المطلقة، حُريّةِ الاعتقاد، حُريّةِ التعبير، الحريّة الأخلاقيّة، وتَطوّرَتْ حتّى صارت حقوقاً محميّة، وأصبحنا نسمعُ بِحقِّ المساواةِ بين الجنسيْن، وحقِّ اختيارِ أنواعِ العلاقاتِ من الجِنسيْن، وحقوق المثلييّن (يعني الشّواذّ)، وحَقّ التّأمين الصّحّي، وحقّ التعليم .. إلى آخِرِهِ مِن قائمةِ الحقوقِ التي اسْتَهْوَتْها نُفوسُ كثيرٍ مِن المسلمين دُونَ تَمييز .. لكنْ وَسَطَ هذا الزِّحامِ مِن الحُقُوق نَسِيَ بَعْضُنا أَنْ يَسأل نَفْسَه: ما هو مفهومُ الإسلام للحقوق؟ أقول هذا لأنّ بعضَ النّاس ما زالَ يَقُولُ بِعاطِفَتِهِ"صحيح أنا لا أَرْضَى لامْرَأتي وبناتي أن يَقُدْنَ السّيّارة .. لكنْ أليس من حقّ مَن تريد ذلك ألاّ تُمْنَع؟ " فَأدرَجَ بقولِهِ هذا قِيادةَ المرأةِ للسّيّارةِ ضمن قائمة الحقوق، فقبل التعجُّل في ادّعاءِ أيِّ حقّ ينبغي أن نَتريَّثَ قليلاً ونُعرِّف مصادر اكْتسابِ الحقّ، ليسَ بالمفهومِ الغربيّ وإنّما بِمفهومِ الإسلام الّذي نَنتمي إليهِ وللهِ الحَمد.