للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سيادة الشريعة: من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة (١)]

سعد بن مطر العتيبي

السبت ١ محرم ١٤٣٣هـ

١ - لعلّ من حكمة العليم الحكيم: أنَّ ثمة أخطاء ترتكب، أو شبهات تقذف في بحر الشريعة، فتكون سبباً في الانتباه إلى المبادئ والأصول كلّما ابتعد النّاس عنها، أو خفت ذكرها بينهم ..

وكم من مسائل أثيرت على خلاف الأصول والمبادئ، كان أثرها ظاهرا في إشعال جذوة الأصول وتجديد قوة المبادئ في النفوس، وتحريك حالة التبلّد التي قد تصيب الحراك الفكري، الذي يُنتظر منه الإصلاح والتصحيح. وقد دونتُ أمثلة عصرية لذلك في موضع آخر .. نعم كان لها ضحايا .. لكنهم قلَّة في جانب ما يُحقِّقُه الانتباه للأصول وحمايتها من نجاة واسعة، وبقاء الحق متوارثا بصفاء، ولو خلى الزمان ممن يطبقه.

ولذلك لا أجدني قلقاً حين يثار شيءُ من هذا القبيل، لا حباً لإثارته - معاذ الله - ولكن طمعاً في نفع مآله فيما يحدثه من حراك نافع، إذا ما هبّت له القلوب الحيّة، فأحيته في النّاس على جميع المستويات.

يقول جوستاف لوبون: "إنَّ الأخطاء التي تُظنّ من الحقائق - تلعب في دفع عجلة التاريخ دوراً أكبر من الدور الذي تلعبه الحقائق ذاتها " (٢).

ومن ذلك موضوعات تثار - عاطفة حيناً، ومناكفة أحياناً - دون تمحيص ودراسة، غاية ما توصف به أنَّها: أفكار وحديث نفس عارض، وقد يصحبه - في أحسن الأحوال- استدلال لا يخلو من سطحية، في سياق تقعّر - لا تعمّق - في الطرح، وتكلف في التقسيم؛ تسوق من ينساق لها بعيداً عن الأصول والثوابت، ومن ثمّ تقذف أمامه شبهة لتوهِمه أنَّها قدمت له شيئاً ذا بال!

والشبهات التي تنطلق ممن لديه ثقافة إسلامية، لا تكاد تخلو من تلبيس - قد لا يكون مقصودا - بذكر آية أو حديث أو أثر .. ومن هنا ينبغي التعامل معها بمنهج التعامل مع الشبهات، ومن أصول ذلك: الردّ إلى المحكمات، وهو ما لخصته في عنوان هذه المقالة المقتضبة ..

وقبل بضعة عقود، طُرحت في العالم الإسلامي بضعة أفكار، ورميت في بحره الطهور الطاهر بضعة أحجار، كان من بينها: فكرة غربية غريبة يعبّر عنها بمبدأ أو نظرية (سيادة الأمَّة)؛ زُعِم أنَّها من الإسلام، وليست منه في شيءٍ!

وقد تصدَّى لتفنيد هذه الشبهة آنذاك وبعده، عددٌ من علماء الشريعة، وأهل السياسة من عربٍ وعجم، وشرق وغرب، وأساتذة قانون من أهل الإسلام؛ في عشرات المصادر، وما لا أحصي من المراجع، والمقالات.

وقد بيّن أستاذ أساتذتنا في القانون الدستوري الدكتور/عبد الحميد متولي رحمه الله وعفى عنه، أنَّ جرثومة تسلل تلك الأفكار تكمن في: نزعة " التقليد لدول الغرب (ونحن إنما نعني بداهة بوجه خاص دوله الكبرى) وذلك فيما يتعلق بالمبادئ أو النظريات والمذاهب والأنظمة الدستورية (أو السياسية) " (٣)؛ وبيّن أنَّهم يقلّدون في الظواهر، دون أن يعرفوا الحقائق؛ كما سأشير إن شاء الله.


(١) وضعت هذه المقالة بناء على اقتراح عدد من الإخوة والأخوات؛ قصد كشف موقف العلماء الشرعيين ممن لهم عناية بالفقه السياسي والسياسة الشرعية، وغيرهم من أهل الشأن - من إشكالية أجنبية مستوردة ألصقت بالإسلام! وهي إشكالية وشبهة ليست بجديدة؛ بل وجدت منذ عقود فأسقطت في حينها، لكنها تجدد على نحو ما، أحيانا تلبيسا ومناكفة من خصوم الشريعة، وأحيانا التباساً من بعض مريديها، والنتيجة واحدة.
(٢) الأسس العلمية لفلسفة التاريخ، لجوستاف لوبون:١٧ - ١٨ (بواسطة: أزمة الفكر السياسي الإسلامي في العصر الحديث، د. عبد الحميد متولي:٢٤٨).
(٣) أزمة الفكر السياسي الإسلامي في العصر الحديث، د. عبد الحميد متولي:٢٤٨. وفصَّل القول في ذلك بالمثال في ص: ١٩٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>