[قراءة في الفكر التنويري]
أحمد عبدالله الشهري
الأربعاء ٢٨جمادى الآخرة
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،. أما بعد:
الحركة الفكرية التنويرية هي في حقيقتها مخرج من مخرجات العولمة العصرية، ومنهجها قائم على المزاوجة بين الأصول الاعتزالية والحضارة الغريية بفكره ومؤثراته، وهذا من باب تقريب الشرائع فيفهمون النصوص الشرعية على سبيل الاستقلال .. فتحمله على أي تفسير تريد، وهذا يعني قبولهم بالمفاهيم الغربية على حساب المفاهيم الشرعية، فعطلوا الشريعة بداعي تقريب الشريعة، وردوا النصوص بداعي قراءة النصوص، فأحيوا عينا سادة، وورثوا أفكارا شاذة.
فهم ثمرة تطور تاريخي للمدرسة الاعتزالية والتي تعتمد على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
وقد قال ابن العربي: (العقل مزكي الشرع, ولا يصح أن يأتي الشاهد بتجريح المزكي ولا تكذيبه).
فالمدرسة الإصلاحية التنويرية هي في الحقيقية تكرير لأفكار المعتزلة، وهذا ليس بغريب، فمؤسس هذه المدرسة هو جمال الدين الأفغاني وهو- شيعي إيراني - تلقب بالأفغاني لتسهيل مهمة دعوته في البلاد الإسلامية، ثم خلفه تلميذه المخلص محمد عبده وكان متعاونا مع الأنجليز حتى أن اللورد كرومر كان له الدور الأكبر في وصوله للإفتاء، يقول كرومر: (إنني قدمت لمحمد عبده كل تنشيط استطعته مدة سنين كثيرة , ولكنه عمل شاق فضلا عن العداء الشديد الذي كان يلاقيه من المسلمين المحافظين , كان لسوء الحظ على خلاف كبير مع الخديوي , ولم يتمكن من البقاء في منصب الإفتاء , لولا أن الأنجليز أيدوه بقوة)، وقد تبنى المنهج الاستشراقي حتى قال مستر بلنج: (أن محمد عبده لا يثق في انتمائه للشريعة).
كما تأثر بهذه المدرسة أيضا محمد الغزالي، وكان له هجوم على السلفيين، فأنكر الخوارق والمعجزات ورد حديث الآحاد، وغيرها.
ومن نظر إلى التاريخ القريب وجد ما خلفته المدرسة الإصلاحية في العالم الإسلامي من خراب. كان من نتاجه دهاقنة العلمانية المعاصرة كسعد زغلول وقاسم أمين ومصطفى كامل وغيرهم.
إن هذا التراث وهذه السموم من الفكر البابلي والفينيقي والإغريقي والتي تجدها أيضا في كتابات عابد الجابري وحسن حنفي ومحمد أركون وحسين مروة تصدر من مشكاة مدرسة الفلسفة اليونانية وإحياء مفاهيمها التي ارتبطت بالقرامطة، وهي تنطلق من منطلق واحد وهو: مدرسة العلمانية والفلسفة المادية كأساس لعملية تدمير الأصالة الإسلامية.
والناس أسراب طير يتبع بعضهم بعضا، والبيضة تفقس على فكر الحاضنة .. قال أحدهم في أول تجربة طيران له: " نحن تيار نقوم على نقد التيار السلفي وتفكيك بنيته التقليدية ومنظومته التي تعيق مشروعات النهضة والتقدم الحضاري "، هكذا قال!!، وما شعر أنه أهون من تبالة على الحجاج!!، وربما يصدق عليه ما قاله أبو بكر ابن العربي في شيخه حين قال: (شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة , وأراد أن يتقيأهم فما استطاع).
إن رفعهم لشعار الإصلاح ماهو في الحقيقة إلا غطاء لتمرير أجندة فكرية تتعارض مع الإصلاح الحقيقي .. وهي مخادعة إبليسية، سنها لهم رائد الإصلاح التنويري في زمانه بقوله {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: ٢٦]
إن المشروع الإصلاحي بمفهومه العام مشروع أمة ومنهاج نبوة {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: ٨٨] والمدنية قامت مع الشريعة لا عنها، والإصلاح السياسي جزء من منظومته، وقد عني به السلف خير عناية، فما أهل التنوير في الإصلاح إلا ورقة من كتاب بيد مصلح سلفي.