[مقاصد المحتسبين]
فهد العجلان
٦ محرم ١٤٣٢هـ
بين يديّ عشرات الإيرادات والشبهات التي توضع باستمرار أمام ناظري المحتسبين (الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر)، تأتي بمقصّها على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتأخذ من أطرافها وجوانبها وأعاليها حتى تنزل بها إلى الموضع المناسب الذي لا ينالها فيه تهكّمات وتذمّرات المنحرفين والعلمانيين، كما تقوم هذه الإيرادات بدور قاتم السلبية في الضغط على صدور المحتسبين ليصبحوا أقل غيرة وأخفّ حماسة وأضعف يقيناً.
سأستعرض هذه الإيرادات سريعاً، وسأنثرها جميعاً على الطاولة، وسأحاكّمها إلى المقاصد التي أرادتها الشريعة من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنتدبّر نصوص القرآن والسنة لنعرف مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ثمّ نسلّط هذه الإضاءة على تلك الإيرادات لنكشف عوارها وخللها:
أول سؤال هنا: في كيفية معرفة مقاصد الشريعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في أي باب آخر؟
قد ذكر المختصون عدداً من الوسائل والطرق الكاشفة عن مقاصد التشريع، أهمها وأوضحها هي ذات الأوامر والنواهي الصريحة في النصوص الشرعية، فكلّ نصّ شرعي جاء بأمر أو نهي فهو مما يريده الله ويقصده.
إذاً؛ فالمقصد الأول للاحتساب هو الامتثال لمراد الشريعة في وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والانتهاء عن نهيها في ترك هذه الشعيرة.
نقرأ في كتاب الله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} *آل عمران: ١٠٤*
وهو من صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها القرآن: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} *الأعراف:١٥٧*
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)).
فالمسلم حين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد حقق المقصد والغاية والمعنى الذي يريده الله منه ويريده منه النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا قمت بأداء الصلاة الفريضة جماعة، أو أدّيت فريضة الحجّ، أو صمت مع المسلمين شهر رمضان، فإنّك تقوم بذلك امتثالاً وطاعة وعبودية لله، ولا تطلب من وراء ذلك مصلحة ولا سمعة ولا غاية دنيوية، ولو اعترض عليك أحد: (بأنّ هذه العبادات لا تقدّم لك شيئاً مادياً ملموساً) لرفعت يدك حمداً لله أن لم يحرمك الهداية كما حرم هذا المسكين.
كما أنّ من يقوم بهذه العبادات لن يلتفت إلى ضاحك أو عابث أو مثبّط أو حتّى مؤذٍ ومعتدٍ لأنّه يرى أنّ طاعة الله لا تقبل المفاضلة مع حظوظ النفس وأهوائها.
كذلك المحتسب، فهو حين ينصح ويذكّر بالله يقوم بعبادةٍ كالصلاة والزكاة، لا يبحث من ورائها عن غاية دنيوية ولا مصلحة عاجلة، ولا يفتّ في عضده ساخر أو عابث أو مثبّط لأن شأن العبادات ومرضاة الله أعظم.
حين يتجلّى هذا المعنى العظيم في قلب المسلم، فيرى أن (الأمر بالمعروف) و (النهي عن المنكر) عبادة يحبّها الله ويقصدها ويريد من عباده القيام بها، حين يتصلب هذا الأصل تتفتّت معه أشكال الاعتراضات والإيرادات:
فحين يعترض معترض بأن (كلّ شخص مسؤول عن نفسه ولن يضرّ إلا نفسه) أو يطلب (بأن لا تتدخّل في خصوصيات الآخرين) أو إذا حسن حاله قال (أصلح حالك ولا عليك منهم).
فهو إنسان قد غاب عنه مقصد الشريعة تماماً، لأن من أمرني بالصلاة هو من أمرني بهذه الشعيرة.
وإذا قال قائل: (لا فائدة من هذا الإنكار؛ فسواء نصحت أم لم تنصح فالمنكر لم ولن يتغيّر!)