للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأسماء المركبة: أنواعها وإعرابها .. دراسة نحوية]

د. عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:

فهذا بحث يتناول الأسماءَ المركَّبة في النَّحو العربي: أنواعَها وإعرابَها، وقد دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع تفرُّقُ مباحثه بين أبواب النَّحو؛ فهي لا يضُمُّها بابٌ واحد، وإنَّما توزعت بين عدَّة أبواب، فبعضها في باب المُعرَب والمبني، وقسم منها في باب العَلَم، وقسم في باب الممنوع من الصَّرف، وآخر في باب العدد ... لذا رأيتُ جمعَ ما تفرَّق منها، ولَمَّ شتاته في هذا البحث.

وأُشير هنا إلى ما يُكرِّره النُّحاة ويُؤكِّدونه بشأن التَّركيب، وهو أنَّه خلاف الأصل؛ إذِ الأصلُ في الكلمات الإفراد؛ لذا لا يُحكم على كلمة بالتَّركيب ما لم يُوجدْ دليل قاطع على ذلك (١).

والتركيب يكون في الأسماء والحروف، دون الأفعال؛ قال ابن عصفور: "لم يوجدْ في الأفعال ما هو مركَّب" (٢).

وقال ابن أبي الرَّبيع: "لا يكون التَّركيب فيما أُخذت منه الأفعال؛ وهي المصادر، ولا في الصِّفات الجارية على الأفعال، وإنَّما يكون التَّركيب في الأسماء، نحو: بعلبك، ومعد يكرب، وما أشبه ذلك، وفي الحروف، نحو: هلاَّ، ولولا" (٣).

وهذا البحث يتناول التركيبَ في الأسماء فقط؛ فإن أصبتُ فيما كتبتُه فمِنَ الله، وأحْمَدُه عليه، وإن أخطأتُ فمِن نفسي ومِنَ الشيطان، وأستغفر الله منه.

تعريف المركَّب:

التركيب في اللُّغة: وضْع شيء على شيءٍ، جاء في "اللسان" و"القاموس": "ركَّب الشيءَ: وَضَع بعضَه على بعض، فتركَّب وتراكب" (٤)، ويقال: "تراكب السَّحاب وتراكم: صار بعضُه فوق بعض" (٥)، والمركَّبُ - كمعظَّم -: الأَصْلُ والمَنْبِتُ (٦).

والمركب عندَ الفلاسفة وأهل المنطق: "ما يدلُّ جزء لفظه على جزء معناه" (٧).

وعند النَّحْويين: "ما تركَّب من كلمتين فأكثر" (٨)، وذكر الشيخ العطَّار في "حاشيته على شرح الأزهريَّة": أنَّ أكثرَ النُّحاة على أنَّ المفرد ما تُلُفِّظ به مرَّةً واحدة، والمركَّب ما تُلُفِّظ به مرَّتين (٩)، والواقع أنَّ المركب لا يُتلفَّظ به مرَّتين، وإنَّما مرَّةً واحدة كالمفرد، ولكن لأنَّه يُتَلفَّظ بكلِّ جزء من أجزائه - وأقلُّ ما يتألَّف المركب من جزأين - جُعل التلفُّظُ بجزئه تلفُّظًا بكُلِّه، فعندما يُتَلفَّظ بِجُزْأَيْهِ فكأنَّما تُلفِّظَ به مرَّتين، وهذا التَّعريف مبنيٌّ على تعريف أهل المنطق السابق: "ما يدلُّّ جزء لفظه على جزء معناه"، فإذا كان جزء المركب يدُلُّ على جزء معناه، فكأنَّ التَّلفُّظ بالجزأين تَلفُّظٌ به مرَّتين.


(١) "الإنصاف في مسائل الخلاف"، (ص: ٣٠٠)، "شرح المفصل"، لابن يعيش، (١/ ٢٨).
"رصف المباني"، (ص: ٢٠٩، ٢٨٦)، "ارتشاف الضَّرَب"، (٣/ ٢٠٩)، "الجَنَى الداني"، (ص: ٨٤)، "الأشباه والنظائر"، (١/ ٢٢٨).
(٢) "شرح الجمل"، (١/ ٦١٠).
(٣) "الكافي في الإفصاح"، (ص: ٦٦٢ - ٦٦٤)، وانظر أيضًا:، (ص: ١١٤٥).
(٤) "لسان العرب"، (١/ ٤١٦)، "القاموس المحيط"، (١/ ٧٦): (ركب).
وانظر: "الصِّحاح"، (ص: ١٣٩): (ركب).
(٥) "تهذيب اللغة"، (١٠/ ٢٩١).
(٦) "الصحاح"، (ص: ١٣٩)، "تهذيب اللغة"، (١٠/ ٢١٩)، "لسان العرب"، (١/ ٤١٦ - ٤١٧)، "القاموس المحيط"، (١/ ٧٥): (ركب).
(٧) "التعريفات"، للجرجاني، (ص: ٢٣٣)، وانظر: "التوقيف على مهمَّات التعاريف"، (ص: ٦٤٩).
(٨) "شرح الكفراوي على متن الآجُرُّومِيَّة"، (ص: ٨)، "النحو الوافي"، (١/ ٣٠٠).
(٩) "حاشية الشيخ حسن العطَّار على شرح الأزهريَّة"، (ص: ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>