[كتاب: المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك]
والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة
(عرض ونقد)
٣ محرم ١٤٣٢هـ
كتاب هذا الشهر هو كتاب (المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة) لعبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي، والكتاب سبق عرض نظيره في تقرير أن التفويض مذهب السلف وأهل الحديث، وأن الأشاعرة هم أهل السنة كما في كتاب (القول التمام) و (أهل السنة الأشاعرة) لكن يزيد المؤلف هنا إلى الأشاعرة الماتريدية، ويزيد أيضا جديداً في مجال التربية والتزكية بجعلها على طريقة المتصوفة، وسنستعرض الكتاب، ونبين ما عليه من مؤاخذات.
أولا: عرض الكتاب
١ - تحت عنوان: أولاً: في التوحيد والعقيدة
قرر المؤلف أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة، واحتج بأنه بعد ظهور الأشعري والماتريدي لا تكاد تجد أحدا من أهل العلم من المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين والمتكلمين واللغويين والمؤرخين والقادة والمصلحين- وذكر جملة من أهل العلم وغيرهم- إلا وهو من المنتسبين لهذين المذهبين، فكيف يكونون مبتدعين ضالين خارجين عن أهل السنة والجماعة، وذكر أقوالاً لطائفة من أهل الحديث والحنابلة في أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة.
٢ - ثم انتقل المؤلف إلى عنوان جديد باسم: متى بدأت الفتنة بين الفريقين وذكر فيه تعاون أهل الحديث والحنابلة مع الأشعرية والماتريدية تجاه المبتدعة والزنادقة، ومظاهر الفساد والانحلال إلى حدثت الفتنة بين الطائفتين في القرن الخامس الهجري، والتي عرفت بفتنة ابن القشيرى وذكر أمثلة للعلاقة الطيبة بين الحنابلة والأشاعرة، وأن الفتنة التي حصلت تلقي بظلالها على العلاقة بين أهل السنة في وقتنا المعاصر مع أننا في حاجة إلى الألفة والاتحاد في وجه أعدائنا الذين تكالبوا علينا.
٣ - وفي ختام المبحث السابق قال المؤلف: تنبيه مهم جدًّا. وأورد فيه سؤالين وأجاب عنهما الأول أنه كيف تجعل الفرقة الناجية ثلاث فرق مع أن الفرقة الناجية لا بد أن تكون واحدة فأجاب بأن التعدد لا يمنع من الانتماء للفرقة الناجية فيمكن أن يكون المنتمون إليها محدثين وفقهاء ومفسرين وحنفية ومالكية ومصريين وشاميين ... إلخ
ثم أورد على نفسه سؤالاً ثانياً بأن هذا التعدد ليس في العقائد بل في الفروع فأجاب أن الاختلاف بين المذاهب الثلاثة ليس في أصول العقائد بل بعضه في الفرعيات والبعض الآخر- وهو الأكثر- اختلاف لفظي لا حقيقي وأراد أن يدلل على ذلك باستعراض أحد مسائل الخلاف بين الطائفتين وهي مسألة الأسماء والصفات، وأفردها بالبحث تحت عنوان: مسألة الصفات أنموذجاً.
٤ - في المبحث المشار إليه آنفا ذكر ما اتفق عليه الحنابلة وأهل الحديث والأشاعرة والماتريدية في باب الأسماء والصفات من أن الله تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العليا وأنه منزه عن صفات النقص بأي وجه من الوجوه، وأنه واحد في أسمائه وصفاته لا يشابه خلقه في شيء إلى غير ذلك، ثم ذكر بعض كلام الحنابلة وأهل الحديث في نفي الجسمية عن الله ولوازمها، ثم ذكر طائفة من أقوال الأشاعرة والماتريدية في ذلك، ثم بعد ذلك قال: إنهم اختلفوا في مسألة جزئية فرعية وهي أن هناك آيات وأحاديث يوهم ظاهرها التجسيم أو التشبيه كالوجه واليد والمجيء فالمجسمة حملوها على مقتضى الحس وظاهر اللغة وأهل الحديث والحنابلة قالوا: نثبتها لله مع تنزيهه عن الجسمية ونكل العلم بحقيقتها إلى الله تعالى وبعضهم يسمي ذلك إثباتاً وبعضهم يسميه تفويضاً، وبعضهم يسميه تفويض معنى، وآخرون يسمونه تفويض كيفية، وغيرهم يسميه تفويض حقيقة وكنه، ثم ذكر طائفة من أقوالهم في التفويض ثم ذكر أن للأشاعرة طريقتين: الأولى كطريقة أهل الحديث والحنابلة والثانية هي التأويل لهذه النصوص بما يليق بالله تعالى ويتناسب مع اللغة، وذكر جملة من أقوال الأشاعرة في ذلك، وختم هذا المبحث بذكر نماذج من تأويلات السلف.
وفي القسم الثاني من الكتاب وهو في الفقه والأحكام تناول عدة مسائل وهي:
١ - بين الفقه والحديث
٢ - الفقه ثمرة الحديث
٣ - أهمية معرفة فقه الحديث
٤ - فوضى فقهية معاصرة، وذكر صوراً من هذه الفوضى الفقهية في هذا الزمان كهجر كتب الفقه المذهبي إلى كتب الظاهرية أو إلى استنباط الأحكام من كتب الحديث، أو تدريس كتب الفقه دون مراعاة ما كان عليه الأئمة من التدرج في سلم التعلم أو التوسع في المسائل، وبيان الراجح في كل مسألة إلى غير ذلك.
ثم انتقل المؤلف إلى بيان المنهجية العامة في الفقه بدراسة الفقه على أحد المذاهب الأربعة بتدرج، فيبدأ بمتن مختصر ثم متوسط ثم مطول ثم الشروح والحواشي ثم الفقه المقارن، ثم تناول مسألتين الأولى حكم الخروج عن المذاهب الربعة والثانية حكم خروج المرء عن مذهبه.
ثم قال المؤلف: تنبيه مهم جدًّا. وذكر أنه توجد مسائل كثيرة من مسائل الفروع والأحكام والفقه يظنها البعض من مسائل المعتقد والأصول، وأخذ نموذجاً على ذلك موضوع التوسل، وذكر أنه ثلاثة أقسام مشروع باتفاق وممنوع باتفاق ومختلف فيه، وهذا الذي توسع فيه فذكر اختلاف العلماء فيه على ثلاثة أقوال المشروعية والمنع والثالث مشروعيته في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سرد أقوال المذاهب الأربعة ونقل كلاماً للشوكاني في جوازه، وختم المبحث بأن المسألة خلافية وأنه لا إنكار في مسائل الخلاف.
وأما القسم الثالث من أقسام الكتاب فكان عن التزكية والسلوك وذكر فيه أن الطريق لتحقيق مقام الإحسان يكون بالتزكية والسلوك وأن الأئمة على مر العصور كانوا يسمونه بعلم التصوف، ثم ذكر معناه وأهميته وذكر المنحرفين عن التصوف الحق ثم ذكر جملة من أقوال العلماء في مدح التصوف الحق وأهله، ثم تحدث عن موضوع كرامات الأولياء وذكر بعض كرامات الأولياء ثم ذكر الخلاصة في المنهجية العامة في السلوك بالاهتمام بتربية النفس وتزكيتها بالعلم والعمل والتخلية والتحلية حتى يصل إلى مقام الإحسان وأن ذلك لابد أن يكون على يد شيخ مربي.
ثانيا المؤاخذات على الكتاب
١ - دعواه أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة وهذه مغالطة؛ لأن الأشاعرة والماتريدية يخالفان السلف في مسائل عديدة من مسائل الاعتقاد كمسائل الإيمان والأسماء والصفات وغيرها، ولذلك فلا يعدون من أهل السنة والجماعة وإن كانوا أقرب الفرق إليهم.
٢ - ما ادعاه بأن أكثر أهل العلم بعد ظهور الأشعري والماتريدي كانوا إما أشاعرة أو ماتريدية قول فيه نظر.
وقد كانت هناك أسباب معينة ساهمت في نشر هذين المذهبين وانتشارهما كتبني بعض الدول والخلافات لهذه المذاهب واعتناق بعض الأمراء لها.
ثم لنتساءل على أي المذاهب كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم وعلى أي المذاهب كان الأئمة الأربعة والليث بن سعد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم الكثير والكثير قبل ظهور مذهب الأشاعرة والماتريدية وبعده؟ هؤلاء جميعا وغيرهم كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة.
٣ - ثم إن قول المؤلف: إن الأشاعرة والماتريدية هم نقلة الدين والطعن فيهم طعن في الدين. ويقيسهم على الصحابة في ذلك، فهذا غير صحيح، فإذا كان الأشعري نفسه تراجع عن عقيدته التي يتمسك بها الأشاعرة، وإذا كان بعض أئمة المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم اعترفوا بالحيرة والاضطراب وأعلنوا الرجوع والتوبة، فعن أي شيء تراجعوا ومن أي شيء تابوا؟!
يقول ابن خويز منداد من المالكية: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها. [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢/ ٩٦]
وقال أبو العباس بن سريج الشافعي: لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل [اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم].
وقال أبو الحسن الكرجي الشافعي: لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة. [درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢/ ٩٦]
وقد بدَّع الإمام أحمد بن حنبل ابن كلاب وأمر بهجره، ويعد ابن كلاب المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري، وموقف الحنابلة منهم وخلافهم معهم مشهور.
لذا فمحاولة المؤلف إظهار أن سبب الخلاف بين أهل الحديث والحنابلة من جهة والأشعرية والماتريدية من جهة أخرى هو فتنة ابن القشيري كلام مردود فالخلاف قبله.
٤ - محاولة المؤلف الإجابة على جعل الفرقة الناجية فرقاً ثلاثة كلام لا يسلم له فكون الشخص منتسباً إلى علم من العلوم كمفسر أو فقيه أو أصولي أو إلى بلد كمصري ومكي وشامي لا ينافي كونه من الفرقة الناجية لاتحاد المنهج، بخلاف انتساب فرقة تباين منهج الفرقة الناجية في كثير من معتقداتها، وهذا الاختلاف ليس كما قال خلاف في الفروع أو خلاف لفظي بل هو خلاف في الأصول وهو خلاف حقيقي.
ثم ذكر مسألة الأسماء والصفات أنموذجاً، ووقع فيها خلط في جعل مذهب أهل الحديث هو التفويض والتسوية بين تفويض المعنى وتفويض الكيفية وتفويض الحقيقة وبين الإثبات وقال: لا تهمنا التسمية. وذكر أقوالاً جعلها في التفويض، وهي في الإثبات ليذيب الفارق بين مذهب أهل السنة وغيرهم، ويميع معالم معتقدهم في أسماء الله وصفاته، ويدل على ذلك أنه قال: وأما الأشاعرة فلهم في ذلك طريقان: الأولى كطريقة أهل الحديث والحنابلة [يعني التفويض] والثانية: هي تأويل هذه النصوص ... إلخ والكلام عن التفويض والتأويل معروف، وسبق الكلام عنه والرد على الادعاء بأن السلف أولوا بعض الصفات.
٥ - في القسم الثاني من الكتاب وهو المنهجية في الفقه والأحكام تكلم تحت عنوان: تنبيه مهم جدًّا. ما حاصله أن هناك مسائل كثيرة من الفروع والأحكام والفقه يظنها البعض من مسائل المعتقد والأصول وليست كذلك وضرب مثالا بالتوسل وبعد عرض المسألة وخلاف أهل العلم فيها ونقل بعض أقوال من المذاهب الأربعة قال: وإذا كان الأمر كذلك فالقاعدة في ذلك هي: لا إنكار في مسائل الخلاف. ومقصد المؤلف واضح من هذا العرض، ويكفي أن نقول: إن جمهور أهل العلم على عدم الجواز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا الذي تشهد له الأدلة وتسد به ذرائع الشرك. والقاعدة التي ذكرها صوابها: لا إنكار في مسائل الاجتهاد وهي التي ليس فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً، أما مسائل الخلاف فإن كانت تخالف سنة أو إجماعاً وجب الإنكار، وإن لم تكن كذلك فإنه ينكر بمعنى أن يبين ضعفه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام.
٦ - في القسم الثالث من الكتاب وهو المنهجية في التزكية والسلوك حصر طريق التزكية في التصوف وقرر أن الأئمة كانوا يسمون ذلك بعلم التصوف على مر العصور، وأخذ يذكر أهمية التصوف وثناء بعض العلماء عليه مع أن هذا قد يكون منطبقاً على طائفة متقدمة من الزهاد والعباد لم تخرج عن حدود الشرع، أما حال كثير من المتأخرين- على حد تعبير المؤلف- فالغالب عليه الانحراف، كما قرر هو ذلك، ليس في السلوك فحسب بل في المعتقد أيضاً حتى عدَّهم بعض المصنفين من الفرق، فلماذا حصر طريق التزكية في التصوف وقد دخله ما دخله وعلم حال غالب المتصوفة من مخالفة صريحة للكتاب والسنة وطريق السلف.
٧ - ثم تحدث المؤلف عن الكرامات وإثباتها وضرب أمثلة من الكرامات نقلت عن شيخ الإسلام دون أن يذكر اسمه؛ ليقول: إن هذه الكرامات لما نقلت عن شيخ الإسلام قبلت، ولو نقلت عن غيره لأنكرت، وكأن المؤلف يريد أن يفتح الباب على مصراعيه أمام خرافات الصوفية وخزعبلاتهم وما وقع لهم من خلل في موضوع الكرامة والولاية، ثم إن شيخ الإسلام لم يَدَّعِ معرفة الغيب كما قال عنه: ومَن هذا الشيخ الذي يدعي علم الغيب. إنما هي فراسة كما سماها تلميذاه واستقراء للسنن الربانية وتنزيلها على أرض الواقع، وبعض ما ذكر عنه من كراماته.
٨ - ثم تكلم على السلوك على يد شيخ مربٍّ وهذا يفهم منه أنه على طريقة الصوفية (المريد والشيخ) بدليل ما قدمه في هذا المبحث من نقولات عن بعض المتصوفة.
نعم المسلم يحتاج إلى من يتلقى عنه العلم والإيمان والقرآن كما تلقى ذلك الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقاه عن الصحابة التابعون، ولكن لا يتعين ذلك في شخص معين ولا يحتاج الإنسان أن ينتسب إلى شيخ معين يوالي على متابعته ويعادى على ذلك ويتابعه حتى على زلاته.
بالإضافة إلى ما دخل هذا الباب عند الصوفية من انحرافات.
هذه أهم المؤاخذات على الكتاب، والله الموفق للصواب.