للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لماذا يرفض العلماء مشروع قيادة المرأة للسيارة]

عبدالرحيم بن صمايل السلمي

الإثنين ٢٧جمادى الآخرة١٤٣٢هـ

القراءة الصحيحة للحالة السعودية في إشكالية قيادة المرأة للسيارة هو المفتاح لمعرفة المبرر الحقيقي لرفض العلماء والمجتمع المحافظ للمشروع والفكرة، فمشروع قيادة المرأة للسيارة لم يكن نتاج احتياج مجتمعي حقيقي ظهر بصورة طبيعية، بل جاء وفق أجندة ورؤية كلية للتغيير الفكري والاجتماعي في المملكة، فأول من أطلق شرارة الفكرة هم العلمانيون أيام أزمة الخليج ١٤١١، ثم أصبح شعارا لهم؛ فهو مشروع تغريبي منذ البداية ولو كان مشروعاً مجتمعياً لجاءت المطالبة به من عموم الناس الذين لا يعرف عنهم توجهات ليبرالية أو ارتباطات دولية تسعى للتغيير التحرري المنافي للقيم والأخلاق والمناهج الشرعية.

أما مشاركة التنويريين والإصلاحيين فلا قيمة لها لأنهم فئة منهزمة تتبع الليبراليين ليس في هذا الموضوع فحسب بل في أكثر من ذلك، فلو طرح - مثلا - مشروع الاختلاط في التعليم، أو الثقافة الملوثة بالفكر الغربي مثل إتاحة كتب وفعاليات التيارات العلمانية الملحدة لوافقوا على ذلك وموقفهم من سلبيات معرض الكتاب وغيره يدل على ذلك.

ولو أخذنا نموذج اجتماعي قريب من السعودية (النموذج اليمني) تقود فيه المرأة السيارة - إن احتاجت - وهي في كامل حشمتها دون أي صراع فكري واجتماعي، وأردنا أن نضع أيدينا على سبب عدم الرفض الاجتماعي القوي من علماء اليمن وقبائلها الشديدة المحافظة على الأعراض لوجدنا أن السبب هو أن هذا الموضوع لم يكن نتيجة رؤية كلية تهدف لفرض التغريب على المجتمع اليمني وإنما جاء في سياق اجتماعي طبيعي.

إن من ينظر إلى قضية قيادة المرأة للسيارة بشكل جزئي، أو مبتوت الصلة عن خلفياته الفكرية يقع في الخطأ والظلم: الخطأ في تصور القضية، والظلم في القدح في العلماء، لأن الموضوع عبارة عن غطاء قام به دعاة التغريب لفتح أبواب الفتن على المجتمع، وهذه الرسالة وصلت للعلماء والمشايخ ومن ورائهم المجتمع المحافظ، وتسطيح الموضوع أو مناقشته بصورة جزئية ستجعل الحوار حوله كحوار الطرشان، وسيستمر التجاذب حوله والتزاحم عليه دون نتيجة حقيقية فاعلة.

ومن حق العلماء والمشايخ أن يفتوا بالتحريم من هذا المنظور، ومن هذه الزاوية، وهي رؤية مقاصدية عميقة تدرك أبعاد المشروع التغريبي في المجتمع، والاستهتار برؤيتهم وفقههم لا يضر إلا صاحبه، فالكل قادر على السخرية والاستهتار بأفكار الآخرين، ولكن النتيجة للحق وأهله بإذن الله تعالى.

ولو وجدت الضمانات الأخلاقية والفكرية والعقدية لما كان هناك من يعارض ذلك من أهل العلم، وكان الوضع أمراً طبيعياً لأن الأصل فيه الإباحة، ولكن هذا الأصل طرأت عليه علل مؤثرة في وصف الحكم، وهي علل حقيقية وليست موهومة، ولا أظن أحداً يحترم عقله وعقول المتابعين ينفي وجود الإشكالات الأخلاقية والفكرية، فالمجتمع مخترق من داخلة بفئات منحرفة متربصة وذات نفوذ داخل القرار وخارجه، وداخل البلد وخارجه.

ومن حق أي أحد أن يطالب بالحلول للمشكلات الاجتماعية التي نتجت عن الخلل الحكومي في التخطيط لمصالح الناس، وأوقعتهم في فخ السائقين والخادمات، والتي لن تكون قيادة المرأة للسيارة إلا زيادة لها، وليست حلاً سحرياً كما يصوره المتحمسون، ولكن يجب أن يضع الحلول فئات اجتماعية بعيدة عن الخلفيات الفكرية المتغربة لأنها هي من تسعى للمصلحة الوطنية الصحيحة، وهم الأصل والأكثرية في المجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>