[الصحوة والمناطقية]
إبراهيم بن عمر السكران
٢٦ ربيع الآخر ١٤٣١
الحمدلله وبعد،
هذا موضوع حساس، ولا يمكن معالجته إلا بوضوح وشفافية، فأرجو أن ندخل إلى هذا الموضوع على هذا الأساس، ولذلك دعوني آخذ راحتي في عرض حيثيات هذا الموضوع.
قبل عدة سنوات كنت أتحدث مع أحد الإخوة من طلاب علم الحديث، وكان يحدثني عن كتاب لأحد أشياخه لم يوافق حفاوة بين طلاب العلم، فكنت اسأله عن السبب؟ فقال لي إن شيخه يعتقد بأن ذلك بسبب أنه ليس من منطقة نجد، ولو كان من نجد لاحتفوا به، وهذا بسبب أن الصحوة الإسلامية مريضة بالمناطقية، اسنغربت كلياً هذا التفسير، وظلت القصة عالقة في ذهني.
وبعد فترة معينة تكلم أحد الصوفية بمنطقة الحجاز بكلام تجاوز فيه الحدود الشرعية المقبولة، فكنت أتمنى أن يوضح أحد المتخصصين في العقيدة هذا الخطأ، لكن لاحظت أحد الأشخاص في المجلس يقول: لا، يجب أن يوضح الخطأ أحد طلبة العلم من نفس منطقة الحجاز، قلت له: لم؟، فقال لي: طلاب العلم في الحجاز متعصبون للحجاز، ولايقبلون نقداً لهم من الخارج، فاستغربت تماماً هذا التفسير، واستمرت القصة عالقة بذهني أيضاً.
وقبل عدة أيام قال لي أحد الشباب: ألا تعتقد أن موقف الإسلاميين من الدكتور أحمد الغامدي (الذي أجاز الاختلاط والإرداف الخ) ليس بسبب خطئه الشرعي ولكن بسبب أنه من منطقة الجنوب؟ وأيضاً استغربت هذه النظرة، وتراكمت هذه القصة مع مثيلاتها في ذهني.
وذكر لي أحد الإخوان أنه يعرف أحد المشتغلين بالحديث هذا ديدنه في مجالسه، لايمل من إثارة القضية المناطقية والإقليمية وتفسير الأحداث بها، والتذمر والنياحة أن طلاب العلم لم يعطوه وزنه اللائق بعلمه وعبقريته الحديثية بسبب أنه ليس من المنطقة الفلانية.
ماقصة هذه القراءة التي تتهم الصحوة الإسلامية بأنها تتعامل مع الأشخاص والكتب والمشروعات والفتاوى باعتبار أنها تنطلق من معايير مناطقية؟ لماذا تفسر الأحداث بمثل هذه الخلفيات؟
مامدى صحة أن الإسلاميين متعصبين للسعودية؟ أو أن الإسلاميين في نجد متعصبين لنجد؟ أو أن الإسلاميين في الحجاز متعصبين للحجاز؟ أو أن الإسلاميين في بقية مناطق المملكة متعصبين لمناطقهم؟
أعتقد أنه يجب تفكيك هذه التهمة، ولنحاول أن نقرأها بموضوعية على ضوء واقع الصحوة الإسلامية ذاتها:
كل من قرأ تاريخ الصحوة الاسلامية منذ أن تنامت وحتى اليوم فإنه سيكتشف بكل وضوح أن الصحوة الإسلامية هي التي ساهمت في محاربة المناطقية والإقليمية، ولم تكن مرتبطة بتاتاً بأي بعد إقليمي أو عرقي أو قبلي .. بل كان الرهان فيها دوماً على "العلم والديانة" .. ولم يكونوا متعصبين لا لجنسية سعودية، ولا لمنطقة نجد، ولا للحجاز، ولا للجنوب، ولا للأحساء، ولالغيرها.
لنأخذ بعض الأمثلة التي نبرهن بها هذ الدحض لهذا التجني على معايير الصحوة: