القصة من أوّلها
د. أحمد بن صالح الزهراني
٢٥ جمادى الآخرة١٤٣١
من أشدّ أساليب الإدانة وقلب الحقائق حذف أوّل القصة والبدء بسردها من جزء معيّن، وهو ذلك الجزء الذّي يحكي مظلومية الجلاّد ومأساة المجرم، لينقلب الحق باطلاً والمحق مبطلاً والضحية جلاداً والبريء مُداناً.
إنّه أشبه ما يكون بقصّ صورة من القصّة أو العبث بأجزائها تقديماً وتأخيراً ..
مثل رجل قتل رجلاً فلحقه آخر، وأمسك به يضربه فيأتي من يصوّر مشهد القاتل وهو يُضرب، أو يحكي قصّة ضرب القاتل دون ذكر سبب ضربه.
يحدث هذا أحياناً بدون قصد، وإنّما تأثراً بالنفسية الّتي تتحكم في رؤية الواقع ..
وكثيراً ما يكون ذلك مقصوداً كأسلوب في الدعاية للباطل وترويجه والتنفير عن الحق ومحاصرته.
ويساعد الإعلام كثيراً في بثّ الصورة الخاطئة والقصّة المبتورة ..
في الجانب السياسي والعسكري كمثال عادة ما ترى المحتلّ يبرز قصص المقاومة ودمويّتها، وفي ضمن ذلك الأخطاء الّتي تقع فيها سواء في التأصيل أو التطبيق ..
فيدخل الناس بتأثير هذا الأسلوب في دوّامة الجدل حول المقاومة بين من يصوّب خطأها وبين من يخطّئ صوابها ..
وينسى الجميع أنّ المقاومة بكلّ أخطائها وصوابها هي الجزء التالي للقصّة ..
القصّة بدأت قبل ذلك بالاحتلال .. وهو الذي يجب محاكمته قبل البدء بمحاكمة المقاومة ..
مشركو قريش فعلوا شيئاً من ذلك فتولّى الله الرد: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ). قال ابن كثير: أي: «إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي: قد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتى يردّوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل»
في الجانب الثقافي والفكري والدعوي -وهو الّذي يهمّني -انتهجت الأقلام المسمومة نفس المنهج ..
إذا بدأنا بأوسع الدوائر وجدنا دائماً محاكمة للإسلام على أنّه دعوة قتال وأصر على الدين وأطر على العقيدة الواحدة ..
وكثيراً ما رأينا هِمَم الرجال تتناقص أمام هذه المقولة الظالمة ..
نعم، ظالمة؛ لأنّ دعوة الإسلام والتوحيد هي جزء تالٍ في القصّة، والقصّة من بدايتها ذكرها الله تعالى في كتابه: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).