كل من يقرأ التاريخ المعاصر ويرصد الأحداث لا تخطئ عينه الفضائل الكبرى التي كانت للخطاب السلفي على الأمة الإسلامية اليوم، ففي سنوات لا تتجاوز الخمسين سنة انتشر هذا الخطاب انتشارا مذهلا في الأمة شرقا وغربا، وأصبحت المؤلفات والفتاوى والمؤسسات السلفية تنتقل من بلد لآخر نشرا للعقيدة الصحيحة، وتعليما لحقائق الدين وربطا للأمة بالكتاب والسنة.
ومن أبرز إيجابيات هذا الخطاب المبارك: تصحيح العقيدة من الشركيات والبدع والمحدثات والخرافات التي انتشرت في الأمة بسبب التصوف والتشيع وبقية الفرق الضالة التي أضرت بعقائد المسلمين ضررا بالغا، فقد نقدوا وكشفوا حقيقة الفرق الضالة كالخوارج والمرجئة والمعتزلة والأشاعرة والصوفية والشيعة والباطنية في الوقت الذي كان بعض المنتسبين إلى الدعوة يرى أن هذه الفرق لا وجود لها الآن وأنها انقرضت وأصبحت أحداثا تاريخية، ومقاومة الخطاب السلفي لهذه الشركيات والبدع دليل على الوعي العميق بالواقع الذي لا يمكن إصلاحه بذر الرماد في العيون ونسيان الحقائق الموضوعية على الأرض، ولكن إصلاحه يكون بمواجهة المشكلة بالمنهج الشرعي الراشد.
وهذا العمل التجديدي الكبير كان له آثار عظيمة في إضعاف الفرق الضالة، وتحذير الأمة من مخاطرها وعقائدها الباطلة، وإبراز علماء السلف كقدوات للأمة، فقد انتشرت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء السلف في أرجاء الأرض، واطلع عليها كثير من العلماء والمفكرين والمثقفين وكان لها أثر كبير في تصحيح المفاهيم العقدية والمنهجية التي أفسدتها الفرق الضالة في باب المسائل والدلائل.
وقد قام الخطاب السلفي بعمل جبار في حماية شباب الأمة من المذاهب الفكرية المعاصرة، فكتبوا وحاضروا عن العلمانية والقومية والشيوعية والحداثة والليبرالية وغيرها من المذاهب الهدامة، وبينوا منافاتها لأصل الدين، وقواعده الأساسية، ومقاصده الكلية.
فقد أزال السلفيون الركام الفكري والعقدي الهائل من التصورات الباطلة والتفسيرات الخاطئة والتأويلات الضالة للقرآن والسنة، وكان للخطاب السلفي المعاصر مزيد عناية بمناهج الاستدلال وآلياته ليتميز المنهج الشرعي عن المنهج البدعي، وخصوصا بعد ظهور التيارات التنويرية والعصرانية التي تسوق أفكارها من خلال النص الشرعي.
ومن أبرز ما يميز الخطاب السلفي أنه خطاب ذو منطلق إيماني تعبدي يربط كل مناحي الحياة بالعقيدة والإيمان والتعبد والخضوع لله سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الأخلاق وسائر أحوال الاجتماع البشري بكافة صوره وأشكاله، وهذا هو منهج القرآن وآياته شاهدة بذلك.
وإذا أراد المراقب إنصاف هذا الخطاب فإنه لن يتجاهل دوره في نشر العلم والثقافة والوعي السياسي قبل ظهور الانترنت والفضائيات وبعدها، ودوره في إحداث حركة فكرية وثقافية قوية في المجتمع، فقد شجع على الإطلاع والقراءة والنقد والاستقلال الفكري المرتبط بالنص الشرعي، ووضع منهجية شرعية في تفسير الأحداث وربطها بالعقيدة والسنن الكونية والإلهية.