[التدين الجديد وأثره في تمرير ثقافة التغريب في مجتمعاتنا]
أنور قاسم الخضري
مقدمة:
استطاعت الصحوة الإسلامية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي فرض نفسها كواقع ملموس في الحياة العامة، والأوساط الاجتماعية المختلفة؛ ذلك أنها خاطبت كافة الشرائح والفئات والنخب - بغض النظر عن مدى مضمون هذا الخطاب وسلامته!!
ونظراً لأن الإنسان متدين بالفطرة، فهناك تيار عام وظاهر اليوم ينحو باتجاه الشخصية المتدينة، بعد أن سادت لفترة من الفترات طبيعة اللامبالاة والإعراض والتخلي عن الدين، وذلك تحت وطأة التوجه العلماني الذي عمل على تغييب الخطاب الديني ومحاربته وصدِّ الناس عنه.
والقارئ أو المستمع أو المشاهد أو الزائر - في العالم العربي والإسلامي- لا يخطئ مظاهر التدين التي تنتشر في أوساط المجتمع وتلوح على مؤسساته وأنشطته وتعاطيه مع الأحداث .. هنا وهناك.
ويبقى من الضروري في ظل هذا الاتساع والانتشار السريع والمتزايد دراسة الظواهر المصاحبة لهذا التوجه (أو التيار) الديني .. أو ما اصطلح عليه "الصحوة الإسلامية". وهذه الضرورة لدراسة من هذا النوع تنبع من عدة جوانب:
أولاً: أن توجه الناس نحو التدين يرافقه غالباً جهل بأحكام الدين ومقاصد الشريعة، الأمر الذي قد يوقع البعض في الغلو أو المحدثات أو إضافة شيء إلى العقائد والعبادات والشرائع، وهو ليس منها أصلاً!
وبالتالي فيجب على العلماء والدعاة مواجهة أي خطأ من هذا النوع مع نشوء بوادره، كما كان هديه - صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه، فحديث "ذات أنواط"، وحديث الثلاثة نفر الذين سألوا عن عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتقالُّوها .. وغيرها، هي من باب حرص الشارع على ألاَّ تخرج طبيعة التدين الناشئ في النفس البشرية عن حدود الشرع ومقاصد الدين.
ثانياً: أن هناك من شياطين الإنس والجن -في كل زمان ومكان ومجتمع- من يحاول أن يحرف توجه الناس إلى التدين إلى مسار مخالف، أو منحرف، مع كونه يبدو في مظهره أنه المسار الصحيح؛ وأغلب انحرافات الأمم عن التدين إنما وقعت في بداياتها الأولى بشيء يسير من المخالفات التي لبست عليهم الشياطين فيها، ليصبغوها بصبغة التدين، ثمَّ ما لبثت أن صارت طرقاً مضاهية للدين، ولكل طريقة أشياع، ولكل شيعة مطاع!!
ثالثاً: أن التدين في غالبه هو استجابة لخطاب ديني موجه، وبحسب سلامة هذا الخطاب وصحة مضامينه تكون سلامة الأتباع وصحة أعمالهم وأقوالهم ومعتقداتهم. ونظراً لكثرة الخلاف وتعدد الاجتهادات على مدار أكثر من أربعة عشر قرناً، فإن من الصعب على العامة والجماهير الغفيرة المقبلة على التدين الوصول إلى الرؤية الصحيحة والمناهج الحقة والتغذية المتكاملة والمتزنة والمتدرجة، والتي يصلون بها إلى مراتب الكمال البشري بصوره المختلفة؛ وهذا قد يؤدي بهم إلى الانتقاء والاختيار من "المعروض" وبحسب الرغبة والحاجة، وبالتالي تصنع الجماهير لأنفسها في ظل غياب الخطاب والتوجيه الموحد "تديناً جديداً"، يحمل ملامح غير متجانسة وعناصر غير مترابطة ... وهو بدوره قد يشكل وعياً جمعياً ضاغطاً، وأخطر ما فيه أنه غير موجه ولا إرادي، ومع مرور الوقت يربوا فيه الصغير ويهرم فيه الكبير، ويصبح ديناً له مفاهيمه وقيمه وسننه وشرائعه!! فإذا أراد العالِم أن ينكر على أهله قالوا: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف:٢٣].
التدين بين الجديد والقديم: