للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الضوابط الشرعية ... رؤية ليبرالية]

محمد بن أحمد الزهراني

١٧ شعبان ١٤٣١

كنت شخصيا ممن يرى أن أهل الفضل والعلم - ممن شرفهم الله بالعكوف على البحث والتقصي في معرفة مراد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم - قد يكونون وقعوا في شيء من المبالغة في قاعدة سد الذرائع حتى رأوا سيئا ما ليس بالضرورة يؤول إلى محذور شرعي.

وكنت أقول في نفسي: رحم الله علماءنا وعفا عنهم, إن حدبهم على هداية الأمة وصلتها بخالقها العظيم وهدي نبيها الكريم أدى بهم إلى التوجس من مآلات وهمية هي أبعد ما تكون عن مجتمعنا النقي الذي قد تضلع بكافة أطيافه بالعقيدة السليمة والرغبة فيتمثل هدي الرسول صلى الله عليه وسلم مظهرا ومخبرا وإن تفاوت الناس بعد ذلك في هذا التمثل قلة واسكثارا, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

والآن وبعد مرور عقد تقريبا على هذه الطفرة الجينية في الخريطة الوراثية لإعلامنا بكافة أجنحته, إلى أين وصلنا؟

تتبع معي أخي الكريم مسيرة طرحنا الإعلامي المحلي عبر العقد الماضي واضرب كفاً بكف حينما يتملكك العجب.

كانت أكثر المقالات الزئبقية تساق متدثرة بلافتات "حسب الضوابط الشرعية"!

كانت البداية الوجلة تبرز قرنها عل هيئة دعوة إلى قبول الآراء الفقهية الأخرى ما دامت حسب الضوابط الشرعية. نعم, فما المانع أن تترك للمرأة الحرية في كشف وجهها ما دام رأيا فقهيا معتبرا يقرها على ذلك؟

وما المانع أن يساهم الشعب في الشركات المساهمة المشتبهة ما دمنا لا نعدم من يفتينا بذلك؟

وما المانع أن نحاور الأديان الأخرى بغية تبيين الحق وإقامة الحجة؟

وما المانع أن يتعلم أفراد الشعب اللعبة الديموقراطية وصناديق الاقتراع ويختارون من يمثلهم في مؤسسات المجتمع المدني؟

اليوم لم نعد نسمع عبارة "حسب الضوابط الشرعية" فقد وسدت التراب إلى جانب العبارة الشهيرة " نشجب ونستنكر الانتهاكات الصارخة للعدو الصهيوني" ,فأحسن الله عزاء الجميع في العبارتين.

نعود إلى طرحنا الإعلامي لنرى عن ماذا تمخضت هذه الدعوات المتنسكة بالضوابط الشرعية؟

حرب شعواء ضد الجهة الوحيدة المخولة لوضع هذه الضوابط الشرعية, إسقاط لرموز أرباب المعرفة بالعلم الشرعي والدعاة إلى الاحتكام لشرع الله المطهر.

من منا ينسى تلك الليلة الليلاء التي تقاسم فيها القوم على أن يبيتوا أحد أعلام المعرفة بالضوابط الشرعية التي يتشدقون بها ثم بعد أن جاءوا على قميصه بدم كذب وتم لهم ما أرادوا, خرجوا بكل صفاقة ليقولوا "ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون"!!

لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء ليعرف مدى كذب دعوى الضوابط الشرعية, بل ليس الأمر أبعد من شخص قدم لك لحم خنزير وقال لك "تفضل, مذبوح بالضوابط الشرعية".

وإن أردت الدليل على ما أقول فعليك برصد الجناح المرئي لإعلامنا وكيف انه قد استحال في كثير من برامجه إلى عروض للأزياء ومتاجرة بهذه المشاهد , فقط لنرفع أسهمنا عند "الآخر" ويشهد لنا بالوسطية والاعتدال كما يراها هو.

رجل وامرأة قد لبسا وتزينا و"تمكيجا" ثم "انتصا" ليتحادثان ويتمازحان طوال ساعات الصباح وكأنهما في "صباحية مباركة" ... !! تدشين أول فيلم سينمائي احتشد فيه كل شيء .. إلا الضوابط الشرعية طبعا!!

دعوات لصرف قضايا اعتراض على بعض الكتابات والسلوكيات عن مسارها الشرعي إلى مسار خرج من عباءة ثقافة"الفيتو" الغارقة في الظلامية والجاهلية.

مهرجانات غنائية أدركتها حمى الطفرة الجينية لتطعم المهرجان الغنائي السنوي بأصوات ناعمة غابت صورها هذا العام , ولو حلفت ما حنثت أنها ستظهر في العام القادم .. وليس الذي يليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>