فقد شغلت وظيفة"القراءة" و"الفهم والإفهام" الطاقات الفكرية للأمة الإسلامية، التي ظلت مشدودة بأحاسيسها، وخطراتها الفكرية إلى هذا "النص" قرآنًا وسنة، إلى حد لا نظير له، حيث تأسست أجواء الفهم والتحليل والتذوق؛ لقراءة هذا النص ومقاربته، بـ"استنطاقه" و"تحليل" إشاراته، و"حراسة" مدلولات ألفاظه، فهمًا وتأويلًا، و"ضبط" علاقة اللفظ بالمعنى، و"تقنين" دلالة المنطوق على المضمون؛ حتى تتفادى كل "تفسير مجانيٍّ" أو "تأويل إسقاطي" لهذا النص، ووقوفًا ضد "كل من يدعي"قراءة" النص المؤسس للشرعية في الإسلام، بعيدًا عن "قوانين التأويل" المتمثلة في طرق الاستنباط، بقواعدها اللغوية والشرعية، وبذلك أصبحت قراءة "النص" في الفكر الإسلامي، قراءة تخضع لمنهج مشدود بثوابت: "مرتبطة" باللسان ومقتضياته في فهم الخطاب من جهة، و"محتكمة" إلى الشرع وحدوده من جهة ثانية، مما يؤدي إلى ما سماه الإمام الشافعي، رحمه الله، بـ"عَقْل المعاني".
ثم كانت الخطورة حينما بدأ نفر من أبناء جلدتنا، من أبناء هذه الأمة، يتناولون القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة، بقراءة عرفت بـ "الحداثية" أو "القراءة الجديدة" للنص الديني، وهي قراءة "تأويلية" تستمد آلياتها من خارج نطاق "التداول الإسلامي" بل تأتي وفقًا للتجربة الغربية في فهم النصوص، واللاهوتية منها خصوصًا، فلا تريد أن تحصل اعتقادًا من النص، بقدر ما تريد أن تمارس نقدها عليه، واستخدامًا لنظريات لغوية حديثة (مثل: البنيوية، والتفكيكية، والسيمائية) وهي قراءات في حقيقتها اقتبست كل مكوناتها من الواقع الحداثي الغربي في صراعه مع الدين، هذا الصراع الذي آل، في الغرب، إلى الاشتغال بالإنسان بعيدًا عن الله (الأنسنة) والاهتمام بالعقل خارجًا عن الوحي (العقلنة) ومراعاة للدنيا، من غير نظر إلى الآخرة (الأرخنة)، ومن ثم ترتكز دعوتهم على ضرورة معالجة "النص الإسلامي" قرآنًا وسنة، داخل "التقليد الكتابي" الذي ينتمي إليه، أي: التقليد اليهودي- المسيحي، مما يعني، فعليًا، إخضاع هذا النص لمناهج النقد والتأويل التي خضعت لها "الدراسات التوراتية والإنجلية المستحدثة في إطار الفكر الغربي، الذي يصير له عند الحداثيين"مرجعية" غير قابلة للنقاش. وجوهر ما يؤسس هذه "المرجعية" بناؤها على: "التحرر" من سلطة النص الذي تكونت في ظله ثوابت العقل الإسلامي ومحدداته، و"نزع القداسة" عنه، وعلى "القطيعة المعرفية" بينها وبين القراءات التراثية، و"الفوضى التأويلية" التي هي "تفكيك" للهوية، و"ضياع" للمعنى. وهي ملامح ومنطلقات لاتخفى مستلزماتها التطبيقية، ولا عواقبها العلمية التي تنسجم مع فلسفة الحداثة وما بعدها!! ومن ثم أفضت تلك القراءة الحداثية للسنة النبوية إلى: